الرأي

الوطن ليس فندقا! 

قادة بن عمار
  • 3375
  • 6

عبد المالك سلال غاضبٌ جدّا بسبب كثرة المحاكمات والأحكام التي تلاحقه في هذه القضية أو تلك، ومما قاله وتناقله الحضورُ في آخر الجلسات التي شوهد فيها، ترديده أمام القاضي “كلمات ليست كالكلمات” أثارت حيرة البعض وأسف آخرين، وشماتة فريق ثالث، حين قال الوزير الأول الأسبق إنه “يشعر بالإرهاق النفسي والجسدي”، وبأنه “لم يعُد يملك سوى معاشه للتقاعد”، بل وأوصى بدفنه خارج الجزائر “لأنه يخشى أن تحجز المحكمة على قبره”!

كلامٌ يدل للمرة الألف، بأن سلال، ومن معه، لم يشعروا يوما بقيمة هذا الوطن الذي حكموه لسنوات، أو بعظمة تاريخه، وبأن علاقتهم بهذه الجزائر وإن أحاطوها بشعارات براقة، فهي لم تكن تعني لهم سوى المزيد من النفوذ والمصالح والمشاريع والصفقات والحسابات البنكية… لقد تعاملوا مع الوطن كفندق يقيمون فيه، فإن ساءت خدماتُه غادروه!

قد يقول قائلٌ إن سلال مثل غيره من المسؤولين السابقين لم يعد مهما منذ سقوطه، وبالتالي، فلا جدوى من الكتابة عنه، طالما أنه صفحة وطويت، لكنه يبقى مجرد كلام نسبي وغير حقيقي بالمطلق، فنحن مازلنا نعتقد أن هذه المحاكمات تُعدّ دليلا إضافيا على لحظة الانهيار التي عشناها، وبأنها، وإن لم تنته باسترجاع الأموال المنهوبة تماما، فستسترجع على الأقل سمعة البلد المسلوبة، بل وقد تكون فرصة ليتحول هؤلاء اللصوص “5 نجوم” إلى عبرة حقيقية وتصبح محاكمتهم درسا لا يمكن نسيانه بالنسبة لكل صاحب منصب أو نفوذ.

لغة الانكسار التي يتلفظ بها هؤلاء، سلال وغيرُه، وتلك التجارب التي مروا بها انتقالا من مناصبهم وكراسيهم، إلى الزنزانة، وما أدراك ما الزنزانة، يجب أن تتحول إلى مرجعية أساسية تلاحق صاحب أيّ طموح سياسي في البلاد، وأن تكون بمثابة كابوس يطارد أحلام العابثين بمقدرات البلد وثروته.

ليس غريبا أن يوصي سلال بدفنه خارج الوطن؛ فهو لم يشعر بقيمة هذا الوطن حيا أو ميتا، لقد كان طيلة فترة توليه المسؤولية خادما مطيعا لشخصٍ لا لبلد، مواليا لنظام لا لدولة، بل وقد اعترف بذلك حين سُئل قبل فترة، عن توليه زمام المسؤولية بالحملة الانتخابية لبوتفليقة رغم مرضه، فأجاب بأنه أراد قول لا، لكنها تحولت إلى نعم!

هذه هي عقلية المسؤول الجزائري، يتتلمذ على قول “نعم” بحجة أن المسؤولية تكليفٌ لا تشريف، ولم يتعود على قول “لا” بحجة أن التعليمات الفوقية واجبة التنفيذ، وهو إن غضب أو أهين فلا يجوز له أن يحتج أو حتى أن يفكر بالاستقالة يوما، فالمعيار الذي تأسست ووُزِّعت عليه معظم المناصب يقوم على العبودية والولاء أولا وأخيرا.

على سلال أو غيره ممن عبثوا بحاضر الجزائر ومستقبلها، أن يحمدوا الله كثيرا، وأن يشكروه على نعمه بكرة وأصيلا، فلو كان الشعب قد حاكمهم ثوريا، لكان مصيرهم قد تحدد سلفا وسريعا، وعلى هؤلاء المسؤولين السابقين أن يقتنعوا تماما، أن ما يحدث لهم، ما هو إلا جزءٌ بسيط جدا مما ارتكبوه من جرائم، أو مما فعلوه بهذا الشعب التعيس في جمهورية السعيد!

مقالات ذات صلة