-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الوقاية من تهديد العقول.. عاجل!

الوقاية من تهديد العقول.. عاجل!

يتأكد، يوما بعد يوم، أننا في حاجة إلى دولة وطنية قوية ومُتماسكة، قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة باستمرار. لم يعد الأمر مُتعلِّقا، في السنوات الأخيرة، بالتهديدات الأمنية ذات الطبيعة الكلاسيكية، بل انتقل إلى التهديدات التي تستهدف عقول الناس وأمزجتهم، تارة تحت غطاء الحرية وأخرى تحت غطاء الضرورة التي يفرضها التطور التكنولوجي، وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي. لقد بات من الضروري التحكم في هذا السلاح المزدوج التأثير (إيجابي ـ سلبي) الذي نُسمِّيه تكنولوجيات وسائل الإعلام والاتصال، المتطورة باستمرار، والقادرة على النَّفاذ إلى المجتمع عبر أكثر من مدخل. وبالرغم من أننا نملك وسائل دفاع ذاتية لها علاقة بمنظومة المجتمع القائمة على أساس من القيم والعادات والتقاليد الثابتة، إلا أن جدران هذه المنظومة الطبيعية في حاجة إلى تعزيز من خلال الزيادة في سُمكها ومَنْع التَّسَرُّبات عبرها. وهذا لن يتم إلا من خلال اعتماد طرق مستحدثة للتدريب والتكوين في مجال التعامل مع التكنولوجيات الجديدة لوسائل الإعلام والاتصال.

كلنا يعلم أن ثقافتنا في هذا المجال محدودة. الأجيال السابقة للانفجار التكنولوجي الكبير منذ بداية القرن الجاري، والمولودة في القرن الماضي تجد صعوبة في تحصين نفسها من هذا التأثير الكبير، وإن كانت الجرعة التي تَتلقاها أقل من غيرها، بحكم قلة أو محدودية استخدامها لأدوات الاتصال المختلفة… أما الأجيال الشَّابة والصَّاعدة، فهي التي تحتاج إلى عناية خاصة وبالدرجة الأولى تلك التي لم تكبر بعد وولدت مع الهاتف الذكي في يدها. ما الذي ينبغي عملها في هذا المجال؟

بلا شك أن إدراج التكوين في مجال الوقاية من مخاطر الارتباط بشبكات الاتصال المختلفة يعد من الأولويات اليوم، انطلاقا من أولى سنوات التعلم. إننا نعلم جميعا تلك التعقيدات التي تضعها البرامج المعلوماتية المختلفة التي نثبتها على هواتفنا، ونعلم أن شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات إنما تطلب من مستخدميها لأكثر من مرة الإذن باستخدام كافة البيانات التي بهواتفهم أو حواسيبهم، ولا يترددون في الضغط على خانة “السماح” و”القبول” بسهولة تامة دون إدراك ما يترتب عن ذلك، ودون قراءة تلك المعلومات التفصيلية التي تصل أحيانا إلى عشرات الصفحات ويُطلب من المعني الموافقة عليها… على الأقل عليننا تكليف خبرائنا في هذا المجال بتبسيطها إلى المستخدمين وإدراج ذلك ضمن برامج التكوين في المراحل الأولى من التعليم، ولِمَ لا يتم استحداث حصص للأمن السيبراني المُبَسَّط للأطفال، وهؤلاء سينقلونها إلى أوليائهم (نتعلم من الصغار)… إن الاختراق يبدأ من هذه المرحلة… والوقاية أيضا.

وفي مراحل أخرى ليس أمامنا سوى التفكير في إنشاء شبكات اتصال إقليمية تكون تحت مسؤوليتنا التامة كما فعل الصينيون ويفعل الآن الروس وبدأت تفعل دول أخرى، وقد أثبتت تجاربهم نجاعتها بل وانتقلت شبكاتهم من وضع الدفاع وحماية الذات إلى وضع الهجوم وغزو الآخرين كما هو نموذج “تيكتوك” الصيني الذي لم تعد تستطيع أقوى الدول تطورا في المجال التكنولوجي تَحَمُّله.

والقادم من التأثير سيكون أكثر شراسة وأكثر قدرة على التسرب عبر تطبيقات مختلفة، ولأننا لا نستطيع مَنع ذلك عبر بناء جدران الكترونية، ولا حتى أكثر الدول تقدما في هذا المجال تستطيع ذلك، يبقى اعتماد استراتيجية وطنية في مجال التوعية التكنولوجية الاستباقية بدءا من سِن الطفولة، الوسيلة الأكثر قدرة على مواجهة التحديات القادمة وزيادة تماسك الدولة والوطنية والرفع من قدراتها الدفاعية في هذا المجال…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!