الوقت مشكلة سياسية
أكبر خسارة لنا ليس في ما نُهدره من طاقة أو مال أو إمكانات أو قدرات، رغم أهميتها جميعا، إنما فيما نهدره من وقت ثمين من عمر الناس…
كل شيء يتحرك عكس اتجاه الساعة وأحيانا بسرعة كبيرة في الاتجاه غير الصحيح…
الوقت يُهدَر بشكل غير مسبوق في بلادنا إلى درجة أن انعكس على كل الناس، على كل شيء… لم تعُد هناك إمكانية للانضباط في أي مستوى كان… حتى لمن أراد ذلك، على المستوى الكلي أو على المستوى الجزئي..
هل لذلك علاقة بالأخلاق، بالتربية، بالثقافة، بالدين؟ لا أعتقد ذلك، وقد امتلكنا ما امتلكنا من تراث ثري يحفظه الكبير والصغير في مسألة احترام الوقت. ألم يقل ابن قيم الجوزية: “إن إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها فقط“… المشكلة وبكل بساطة لها علاقة بالسياسة: الوقت مشكلة سياسية.
انتظار الناس الحصول على سكن 10 أو 20 سنة وأحيانا أكثر هو مشكلة قرار سياسي أكثر منه مسألة أخلاقية، الكل يعلم ذلك ولا يستطيع فعلَ شيء، لأن سياسة السكن المعتمدة في البلاد قضت بأن يتم ربط الناس، ثم لنرى بعد ذلك… لا يهم إن أفلح الإمام أو لم يُفلح في إقناعهم بقيمة الصبر…
انتظار الناس مواعيد دخول المستشفيات لفترات تزيد عن 6 أشهر أو سنة مرتبط أكثر بسياسة الصحة في بلادنا ولا علاقة له بأخلاق الأطباء أو الممرضين أو إدارة العيادات. السياسة الصّحية فرضت أن يتصرّف جميع هؤلاء ببطء حتى وإن أرادوا الإسراع وخدمة المرضى…
انتظار الشباب للعمل، وفقدانهم الإحساس بقيمة الوقت ليس نتيجة طبع متأصل فيهم أو ثقافة اكتسبوها حديثا كما يزعم البعض إنما هو نتيجة سياسة التشغيل غير القادرة على إيجاد الفرص الكافية للشباب في الوقت الملائم مما فَتح الباب لكل تلك الأساليب غير الأخلاقية للحصول على عمل…
وهكذا في جميع القطاعات، في البريد والبنوك حيث ينتظر الناس لساعات، وفي النقل حيث لا قيمة لمواعيد الانطلاق أو الإقلاع، وبيننا نحن الناس في شبكة علاقاتنا الاجتماعية كل يوم…
المشكلة ليست أخلاقية أو ثقافية أو دينية، تحتاج إلى أئمّة ومرشدين يُعلموننا جدوى الصبر، إنما هي سياسية قبل ذلك..
عندما يحترم صانعو السياسات العامة مواعيدهم في كافة القطاعات سيستقيم الناس.. نحن بخير. نعرف قيمة الوقت… سياستنا هي المريضة ولا تريد أن تعترف أن وقتها قد انقضى وزمانها قد فات ومضى.