اليمن على كفّ عفريت
يتّجه اليمن هذه الأيام بسرعة الصاروخ إلى حرب أهلية تتخذ أبعاداً إقليمية واسعة قد تأتي على الأخضر واليابس وتفكك البلد وتحوّله إلى صومال أو ليبيا جديدة، إذا لم يتمّ تدارك الأمر وتحكيم طرفيِ الصراع والواقفين وراءهما، صوت العقل والحكمة في أقرب وقت بدل لغة السلاح والتهديدات..
الحوثيون يعلنون “التعبئة العامة” استعداداً للحرب ويواصلون التوغل في تعز والزحف نحو مدن جنوبية أخرى لبسط سيطرتهم على اليمن كله وإكمال الانقلاب الذي بدأوه في 21 سبتمبر 2014، والرئيس هادي يدعو مجلس الأمن إلى تطبيق البند السابع واستعمال القوة ضد الحوثيين، ويدعو دول الخليج أيضاً إلى التدخل العسكري، والسعودية تستجيب وتهدّد بإرسال “درع الخليج” قريبا إلى اليمن…
وإذا وقع الانفجار لا قدّر الله، فستغرق اليمن في حربٍ طاحنة قد تفوق في قسوتها ما تشهده سوريا والعراق منذ سنوات، وتُنهي وجود الدولة على الأرجح، وستتضرّر أيضاً دولُ الخليج بشكل كبير في ظل الدعم العسكري الإيراني المتواصل للحوثيين، وتدخل المنطقة في دوامة عنيفة من الاضطراب وعدم الاستقرار سنوات طويلة.
المشكلة الآن أن الحوثيين المنتشين بتعاظم قوتهم لا يبدون أيّ ليونة أو استعداد للوصول إلى تسوية مع الرئيس هادي، ويصرّون على رفض شرعيته، برغم اعتراف العالم كله بها، ويقمعون المظاهراتِ الشعبية الرافضة لهم في مختلف المدن التي يسيطرون عليها، ويستعدّون لتنصيب نجل الرئيس المخلوع رئيساً للبلد، مكافأة لأبيه علي عبد الله صالح على تحالفه معهم ضد الشرعية، وبالتالي إكمال انقلاب 21 سبتمبر والإطاحة بالشرعية وبسط السيطرة على البلد كله وحكمه بالقوة عبر حلفاء يتحكمون في تعيينهم.
ليس من الحكمة أن يحاول الحوثيون حكمَ اليمن بكل أطيافه ومكوّناته بقوة السلاح؛ فاليمنيون الذين ثاروا ضد الديكتاتورية وأسقطوها في 2011، لن يقبلوا بعودتها على يد الحوثيين، وعلى هؤلاء البحث عن صيغ التعايش والشراكة مع مختلف الأطياف بدل السعي إلى إخضاعها بقوّة السلاح وتهميشها واضطهادها، فقد سبقهم المالكي في العراق، ولكن الجميع يعرف الثمار المرّة لهذه السياسة الإقصائية، وكيف تحوّلت المحافظات السنية الستّ بالعراق إلى حاضنة شعبية قوية لـ“داعش” جعلته يتوسع ويتغوّل.
إذن، الموضوع يتجاوز الصراع على السلطة إلى نزاع طائفي خطير قد تبدو معه الصدامات السابقة بين الحوثيين و“القاعدة” مجرّد نزهة مقارنة بما سيأتي. وقد بدأت مؤشرات ذلك الجمعة الماضية عندما تعرّض مسجدان للشيعة لعمليتين انتحاريتين “داعشيتين” أودتا بحياة 137 شيعياً وجرح 350 آخر، ولا شك أن دخول “داعش” إلى اليمن سيعقّد الوضع أكثر وسيجد التنظيم بيئة خصبة للانتشار كما في ليبيا وسوريا والعراق، في ظل ضعف الحكومة المركزية والصراع الشديد على السلطة، والاصطفافات الطائفية بين أبناء البلد الواحد.
وإذا كانت هاتان العمليتان الإجراميتان في حقّ المصلين الأبرياء مدانتين بأقوى العبارات وأشدّها، فإن انقلاب الحوثيين على الشرعية مدانٌ بدوره، ونتمنى أن تجنح هذه الميليشيا إلى التعقل وتبحث مع الرئيس هادي عن تسوية سياسية، وعلى إيران أن تدفعها في هذا الاتجاه عوض الوقوف وراء توسّعها إلى باب المندب الاستراتيجي. اليمن مقبلٌ على الدخول في نفق مظلم يُنهي وجوده كدولة، والحلّ في يد من يملك القوة الآن من أبنائه، وفي يد من يدعمهم.