الرأي

انتخابات الدول الضعيفة والدول القوية.. أين نحن؟

محمد سليم قلالة
  • 1358
  • 14
ح.م

أقوى دولة في العالم تعرف انتخاباتٍ تعددية وتنافسا حرا على السلطة في حدود المفاهيم والقيم السائدة بها. وثاني أقوى دولة في العالم لا تعترف إطلاقا بنمط الانتخابات التعددية الغربية وتجري انتخاباتٍ بطريقتها الخاصة في ظل الحزب الواحد والمرشح الواحد وقيم الحضارة الشيوعية التي تبنيها، وتكاد هذه القوة الصاعدة بفلسفتها الخاصة وتجربتها الفريدة من نوعها، أن تتفوَّق على الأولى وتهزمها اقتصاديا وعسكريا، إن لم تكن قد هزمتها. كيف نفسِّر هذا التناقض؟ هل الحرية والديمقراطية على الطريقة الغربية هي الحل؟ أم الحرية والأحادية على الطريقة الصينية هي الحل؟ وما الذي ينبغي أن نستنتجه من هذه المفارقة ونحن على أبواب انتخابات يدور حولها كثيرٌ من النقاش؟

لا أريد الخوض في طرح البديل الثالث، أو إمكانية إيجاد بديل ثالث كما حلمنا به ونحن شباب تحت شعار “لا شرقية ولا غربية”، ولكني أريد أن أقول إن الانتخابات وحدها لا تصنع الدول مهما كانت نوعيتُها أحادية أو تعددية، ومهما كانت درجة نزاهتها، وأنها ليست بالضرورة مرادفة للتقدم والتخلف، بل آليات تسيير الدولة ودرجة نزاهة وكفاءة القائمين عليها وطبيعة الشعوب والمرحلة التاريخية التي تمر بها هي من تقوم بذلك.

عبر تاريخنا الحديث أسفرت انتخاباتٌ نزيهة عن دكتاتوريين (نموذج هتلر)، وأسفر حكم الحزب الواحد والقيادة الواحدة على بناء قواعد صحيحة لأسس الدولة العصرية (ماو تسي تونغ، بومدين، صدام حسين…)، رغم العيوب والنقائص المسجلة على هذا أو ذاك، كما أسفرت انتخاباتٌ تعددية على أنظمة عصرية متطورة (الديمقراطيات الغربية) وأخرى بقيت ضمن الإطار الشكلي لا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة نحو التقدم (التعددية الشكلية في بقية العالم)… بل تم تخريب دول بكاملها في ظل حكم تعددي شكلي كما حدث ببلادنا.

لذلك، نحن اليوم أمام وضع خطير ينبغي التنبيه إلى مكونات خطورته، هناك من يسعى إلى إقناع الناس بأنه ينبغي الانتهاء من تحييد كل بقايا النظام السياسي السابق ثم إجراء الانتخابات، وهناك من يرى أن الانتخابات الحالية يُمكنها أن تكون وسيلة من وسائل اختيار قيادة جديدة للبلاد يمكنها أن تقوم بالقضاء على ما بقي من مفاسد النظام السياسي السابق. باعتبار أنَّ الكثير من الرموز الكبيرة قد تم تحييدُها على الأقل.

ولعلي أميل إلى هذا الطرح الأخير باعتبار أنه من غير الممكن القضاء على كافة بقايا النظام السابق حتى من خلال مرحلة انتقالية، لأن المرض استفحل إلى درجة أن مس آليات العمل وطبيعة ردود الفعل التي أصبحت فاسدة في أكثر من مستوى، والحل يكمن في التركيز على نوعية القيادة الجديدة التي يكفي أن يتوفر فيها شرطان لكي نثق فيها: نظافة اليد والخبرة، بغضّ النظر عن انتمائها السياسي أو تجربتها في ممارسة المسؤوليات. أيٌّ من الجزائريين يمتلك نظافة اليد (بالمعنى المالي وعدم التلوث بدماء الجزائريين خلال العشرية السوداء) ويمتلك الكفاءة في إدارة شؤون الدولة، فمرحبا به، شريطة أن يتجند الشعب لمراقبته وأن يرافقه في الإصلاح على كافة المستويات.

ولذلك، بدا لي من الواجب اليوم أن نختار أفضل المرشحين وفق المعيارين سالفي الذكر، بل وعلينا القيام بذلك بقوة لأن أي مرشح هو في حاجة إلى سندٍ شعبي كبير للمساهمة بالقدر الذي يستطيع في إعادة الأمور إلى نصابها.

لقد ابتكر كل شعب طريقته في إقامة دولته القوية، وليس بالضرورة أن نتبع الصين أو أمريكا في الاختيار، بل عبقريتنا تكمن في مدى قدرتنا على إيجاد مخرج غير تقليدي لأزمة غير تقليدية تمرّ بها بلادنا، ولعل ذلك سيحدث إن واصلنا إقناع بعضنا البعض ببدائل الحلول المختلفة وليس بالمزايدة على تشريح الوضع القائم الذي نعلم جميعا كم هو فاسد وكم هو في حاجة إلى إصلاح.

مقالات ذات صلة