-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انتصاراتٌ بأقلّ جهد

انتصاراتٌ بأقلّ جهد

أظهرت السنوات الأخيرة، التي يمكن وصفها بـ”الفلاحية” بامتياز، أن هذا القطاع الإستراتيجي، وهو في حقيقته سياديّ، لم يكن متأخرا فقط، وإنما كان محنَّطا بالكامل، فمن غير المعقول أن نكون أكبر دولة في القارة السمراء، ونستورد الخضر والفواكه والبيض، ولا نقول القمح، وأن نمتلك ساحلا بحريا يمتد إلى أكثر من ألف ومائتي كيلومتر، غزير التهاطل، ولا نحقّق اكتفاء ولا حضورا في السمك والدواجن والمواشي.

وما تحقق في السنوات الأخيرة، وتُرجم إلى واقع في رمضان 2024 من وفرة في المنتجات الفلاحية وبأسعار أقرّ الجميع بأنها في متناول عامة الناس، إنما تحقق بقليل من الجهد، بل وبقليل من التفكير أيضا، والرئيسُ نفسه سجل غياب الإحصاءات والمعطيات الفلاحية الدقيقة، ما أدخل الدولة في دوامة الاستيراد العشوائي، ليس على أساس الحاجيات أو مستوى الطلب، وإنما بحسب ما تمنحه أسواق النفط من ريع، نسارع إلى استهلاكه في شراء ما نحتاجه وما لا نحتاجه.

وإذا كانت الجزائر قد حققت في السنوات الأخيرة اكتفاءً ذاتيًّا في الكثير من المنتجات الفلاحية التي تعني غذاء المواطن اليومي، فإنها قادرة على أن تضرب الأرقام المحقَّقة أضعافا مضاعفة، مع مزيد من الجهد والتفكير، وفي كل الأحوال فإنّ “شرارة الانطلاق” قد تحققت في عالم الفلاحة، إذ صار الفلاح يرى منتجه في كل مكان وحتى في الخارج، وهذا أمرٌ كان بعيد المنال.

كل المحاولات الفلاحية، التي حاولت مختلف الحكومات القيام بها، ومنحت بعضها أسماء كبيرة وثقيلة، مقارنة بما تم وُفِّر من إمكانات وأفكار مثل “الثورة الزراعية”، كانت تموت في مهدها، وفي الغالب بعد أن تستنزف ملايير الدولارات، لأن المشرفين عليها لا يمتلكون من الخبرة ومن الحِرفية في عالم الفلاحة شيئا، وحتى مشروع السدّ الأخضر الذي هو في الأصل مشروع فكري عملاق، اقترحه المفكِّر الراحل مالك بن نبي، لم يحقق أيًّا من أهدافه، بعد أن تبنَّاه أصحاب البدلات وربطات العنق داخل مكاتبهم الفاخرة، من دون دراية ولا نزول إلى الأرض.

وعندما منحت الدولة المبادرات للمهنيين من أبناء الأرض، حققت إنجازات ما خطرت على بال أحد في الصحراء وفي الشمال، في شُعب فلاحية متنوعة، قرّبتنا فعلا من تحقيق الأمن الغذائي، الذي كان بعيدا جدا فصار قريبا جدا.

خطفت الفلاحة في السنة الأخيرة 18 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، وخطفت أيضا حيزا معتبرا من كل خرجة إعلامية للرئيس تبّون، كما خطفت من برامج بعض المعاهد التكوينية والجامعية ومن خيارات الطلبة الحاصلين على شهادة البكالوريا، وكلّها مؤشرات تقرِّبنا نحو الأمن الغذائي، الذي هو الاستقلال الحقيقي، بعد أن بيَّنت الأزمات الأخيرة من جائحة كورونا إلى أزمة المحروقات والحروب الإقليمية، بأن معركة الماء والغذاء، هي معركة وجودية، نكون فيها أو لا نكون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!