الرأي

“انتصارٌ كبير” على أطفال غزة!

حسين لقرع
  • 600
  • 5
ح.م

هناك معيارٌ معروف في قياس نتائج الحروب والمعارك المعاصرة، وهو حجم المكاسب أو الخسائر السياسية التي تتمخّض عنها. ومن هذا المنطلق نتساءل ونحن نتابع تصريحات نتنياهو التي يزعم فيها أنه حقق “انتصارا كبيرا” على حركة الجهاد الإسلامي في جولة القتال الأخيرة التي دامت يومين بغزَّة: هل تعدّ قتلَ 34 فلسطينيا، منهم 3 نساء و5 أطفال “نصرا كبيرا” لجيشك الذي يُصنَّف في المرتبة الـ17 عالمياً؟

لو كان الأمر يقاس بحجم الخسائر البشرية والمادية، لعُدّت الثورة الجزائرية خاسرة لأنها فقدت 1.5 مليون شهيد مقابل مقتل 22500 فرنسي فقط، بين جندي ومستوطِن، لكن الجميع يعرف أنّ النتيجة هي دحرُ الاحتلال بعد قرن وثلث قرن من الزمان، والنتيجة نفسها سيصل إليها الفلسطينيون حتماً مهما طال ليلُ الاحتلال البغيض.

صحيحٌ أن الكيان الصهيوني قد قتل قائدا ميدانيا كبيرا لـ”الجهاد”، ولكن ذلك لن يؤثّر سلبا في هذا التنظيم وفصائل المقاومة ككل؛ فخلال عقدين اغتال الاحتلالُ نحو 60 قائدا سياسيا وعسكريا لفصائل المقاومة المختلفة وأبرزهم أحمد ياسين والرنتيسي وصلاح شحادة وفتحي الشقاقي ويحيى عياش… ولكن هل أدَّى ذلك إلى إنهائها أو حتى إضعافها؟

الحقائق الميدانية تؤكّد أنّ المقاومة قد اكتسبت خبرة قتالية معتبرة من الحروب الثلاثة السابقة، وأصبحت أفضل عدّة وعتاداً وصواريخُها أكثر عددا وتنوّعا ودقة وأطول مدى وأضحت تصل إلى تل أبيب نفسها وهي التي كان مداها لا يتجاوز 7 كيلومترات في 2007.. والقادم أفضل بإذن الله.

خلال جولة القتال القصيرة، شُلّت الحياة في مستوطنات غلاف غزة والعديد من المدن المحتلة، وتعطّلت الدراسة في نصف الكيان، وتمكّن فصيلٌ صغير بحجم “الجهاد” من إطلاق نحو 500 صاروخ على الاحتلال، وتحدِّي “الجيش الذي لا يُقهر”، ثم تمكّن من فرض شروطه الثلاثة لوقف القتال وهي: إيقاف الاغتيالات، والكفّ عن إطلاق النار على المتظاهرين في مسيرات العودة، والعودة إلى ترتيبات اتفاق التهدئة وتخفيف الحصار، وقد قبِلها نتنياهو جميعاً.. فهل يُعدُّ ذلك “انتصارا” له؟

لعلَّ النصر الوحيد الذي حقّقه الاحتلال هو الوصول إلى هذا القائد الميداني الكبير ببيته بغزة وقتله، والفضل في ذلك لا يعود فقط إلى طائرة مسيّرة صغيرة دخلت بيتَه كما يزعم الاحتلال، بل يعود إلى الاختراق الأمني الخطير للمقاومة الفلسطينية في القطاع، وكثرة جواسيسه في صفوف بائعي ضمائرهم من الفلسطينيين، وهو الأمر الذي ينبغي أن يؤرِّق المقاومة؛ فقد تأخَّر انتصارُ الثورة الجزائرية، على عنفوانها وشراستها ضد جيش الاحتلال الفرنسي، قرابة ثمانية أعوام، ودفعت فاتورة بشرية ومادية باهظة، بسبب كثرة الخونة الذين كانوا يُعَدّون بمئات الآلاف.

أخيرا، تحية إجلال وإكبار لأبطال المقاومة الذين يواجهون بإمكاناتٍ بسيطة الآلةَ الحربية الجبارة للاحتلال المدعوم أمريكياً وغربياً، تحية لكل المقاومين الشرفاء الصامدين الذين يدافعون عن فلسطين وقبلة المسلمين الأولى نيابة عن 1.7 مليار مسلم.. أنتم الذين ترابطون في الخطوط الأمامية للمواجهة مع العدوّ، غير عابئين بالموت الذي يترصّدكم في كل لحظة.. أنتم عزّ الأمة وكبرياؤها وشرفها في زمنٍ عزّ فيه الرجال.

مقالات ذات صلة