انتفاضة مباركة لـ86 عالماً سعودياً
أخيراً تحرّك 86 عالماً وداعية سعودياً وأصدروا بياناً يناصر المقاومة ويشدّ على يدها ويصف المقاومين بـ”الأبطال” و”المجاهدين المرابطين في الثغور” الذين أذهلوا الصهاينة والعالم أجمع بصلابتهم وإنجازاتهم البطولية…
البيانُ لافتٌ للانتباه بلغته النارية وموقفه القوي تجاه بعض الحكومات العربية التي اتخذت مواقفَ مؤيدة للعدوان، ولم يتردد في وصفها رفقة المثقفين والإعلاميين الموالين لها بـ”المتصهْينين العرب” الذين خانوا الأمة وسقطوا في مستنقع التبعية والولاء للأعداء المحاربين، ووصف مواقفها بـ”المخزية”.
هؤلاء العلماء آثروا أن يصدعوا بالحق ولا يخشوا في الله لومة لائم ليضعوا بذلك أرواحهم على أكفهم، لأن الحكومات العربية الأربع التي ناصرت العدوان الصهيوني على غزة وخذلت المقاومة معروفة، وقد أبدى قادة العدو ومنهم نتنياهو وبيريز وليبرمان رضاهم البالغ عن مستوى التقدّم الذي تعرفه العلاقات معها والتي وصلت في الحرب الأخيرة إلى درجة “التحالف”، ولذلك ننتظر أن يتعرّض هؤلاء العلماءُ والدعاة إلى مِحن بالغة واضطهاد كبير ستكشف الأيام القادمة عن أشكاله.
ربما يكون هذا الموقف القوي من 86 عالماً وداعية متأخراً؛ فقد مرّ شهرٌ كامل على العدوان سقطت خلاله أرواحٌ كثيرة وتعرّض مئات الأطفال والنساء والمدنيين إلى مجازر مهولة حركت حتى قادة أمريكا اللاتينية وشعوب الغرب، في حين لزم الكثيرُ من علماء المسلمين صمتاً محيّراً لا تفسيرَ له سوى الخوف من انتقام الحكام الجائرين منهم إذا صدعوا بكلمة حق في وجوههم ونددوا بتواطئهم ضد المقاومة ونصرة العدو الصهيوني عليها بأشكالٍ مختلفة ومنها تسليط إعلاميي البلاط ومثقفيه عليها لشيْطنتها وتحميلها مسؤولية الإرهاب الصهيوني ضد أهلنا في غزة…
ومع ذلك، ينبغي الإشادة بهذا الموقف، فأن يأتي متأخراً أفضل من أن لا يأتي أبداً ويُحسب على أنه تواطؤٌ من العلماء والفقهاء مع حكوماتهم الموالية للصهاينة وعلامة رضا بالعدوان على المستضعفين الفلسطينيين.
لقد ألحقت الحرب أضراراً بشرية ومادية فادحة بأهلنا في القطاع، ولكنها حققت جملة من المكاسب ومنها على سبيل المثال إسقاط آخر أوراق التوت عن عددٍ من الأنظمة العربية العميلة للعدوّ وإيقاظ عدد من العلماء والفقهاء والدعاة الذين تغلّبوا على خوفهم من بطش أنظمتهم القمعية بهم وانتفضوا للتنديد بهذه الأنظمة التي آثرت موالاة اليهود ونصرتهم في حربهم الإجرامية على الفلسطينيين…
نرجو أن يكون بيانُ العلماء والدعاة الـ86 بداية لتحرّك الآلاف منهم في مختلف أنحاء العالم الإسلامي قريباً حتى وإن انتهت الحرب، فقد طال سكوتُهم على مناكر الأنظمة واستبدادها وموالاتها للعدوّ وخذلانها للفلسطينيين وفقدوا مكانتهم وهيبتهم وأصبحت الشعوب لا تتردد في تصنيفهم ضمن “علماء البلاط”.
نريد علماء في مستوى العزّ بن عبد السلام وابن تيمية وغيرهما ممن يصدعون بالحق ولا يترددون في قوله في وجه سلطان جائر مهما كان الثمنُ الذي سيدفعونه، ولا نريد علماء متخاذلين يسكتون عن الحق إيثاراً للسلامة، ويهادنون أنظمتهم الجائرة وإن اختارت موالاة العدو والركون إلى الذين ظلموا وإلقاء المودّة إليهم، أو علماء يبرّرون للحكام مساوئهم وموبقاتهم السياسية و”يجتهدون” لإقناع العامة بها ببتر آياتٍ كريمة وأحاديث شريفة من سياقها وتوظيفها في فتاوى تصدر تحت الطلب.