الرأي

انقلاب السحر على السحرة في ملف الكوكايين

حبيب راشدين
  • 5699
  • 17
ح.م

لأن المعارضة ضعيفة غائبة مرتعشة، والبلد بلا رأي عام ناضج، سوى ما تصنعه مواقع التواصل الاجتماعي، فقد حُرمنا من فرصة تفكيك الألغاز التي أحاطت بقضية الكوكايين وما تبعها من راجفات كان أعلاها رأس مؤسسة مديرية الأمن الوطني.
على مستوى المعلومة المجرَّدة، نحن أمام معلومات متضاربة متناقضة، جاء أغلبها عن طريق التسريب، مع غياب بيان رسمي عن الجهة المكلفة بالتحقيق الابتدائي كان سيغلق باب المضاربات على الأقل من جهة الظروف التي قادت مؤسسة الجيش إلى وضع اليد على عمليةٍ كان يُفترض أن تتولاها شرطة الحدود والجمارك، ومن جهة مصدر الكوكايين وقد صار عندنا ثلاث فرضيات: البرازيل (بلد الشحن) منطقة الكاريبي (كمحطة ترانزيت) واسبانيا (البلد الذي شهد تفتيشا أوَّليا للباخرة حسب شهادة الربان والطاقم).
وقد يحسن بنا أن نتوقف عند غياب توجيه أي اتهام لكمال البوشي سوى من جهة أنه كان ناقلا، بإرادته أو عن جهل، لكمية هائلة من المخدرات، وقد يكون محض ضحية عند من يعلم كيف صار كارتيل المخدرات يتحكم في شبكة النقل البحري للمخدرات عبر تقنية (RIP ON RIP OF) أي تمزيق الأختام ووضع أختام بديلة للحاويات، مع تواطؤ عملاء له في الموانئ، مع قيام شواهد كثيرة لحصول عملية تمزيق الأختام بالميناء الاسباني، قد يعطي للعملية بُعدا استخباراتيا وأمنيا يتجاوز مستوى التهريب التقليدي.
وإذا ما صدقت هذه القراءة، فإن التحقيق لن يتوقف عند تعقب اليد الآثمة التي عبثت بالحاويات (مع ترجيح تضافر جهود عدة مصالح استخباراتية معادية: اسرائيل، المغرب، فرنسا) بل سيهتمُّ أكثر برصد الشبكة الداخلية التي كانت ستُستعمل في توظيف وصول الحمولة إلى صاحبها كمال البوشي.
وحيث إن السحر قد انقلب على الساحر، فلا عجب أن تتولى مؤسسة الجيش عبر الدرك والمخابرات العسكرية التحقيق الابتدائي، وإحكام ارتاجه قصد التعمية على الجهات المتآمرة في الخارج والداخل التي تكون قد دبرت العملية لضرب سمعة المؤسسة، وكانت لها عدة سوابق: بدءا بمحاولة استدراج الجيش للتوحل في بؤر أزمات ليبيا ودول الساحل، وانتهاء بتوظيف ملف الهجرة وإحياء بعض ملفات العشرية السوداء.
ردة الفعل الرسمية جاءت سريعة وقوية، أريد لها أن تنقل الرعب إلى الطرف الآخر، بصرف الأنظار نحو ملف الفساد الذي اصطاد بعض القروش الصغيرة، والشروع في عملية تطهير ذاتي طال كثيرا من الرؤوس الكبيرة، صرفت في الإعلام الدولي وعند بعض المعارضين كعنوان لصراع مفتوح بين جناحين في السلطة متنافسين على انتزاع سلطة التقرير في الرئاسيات القادمة وما بعدها.
ما هو مؤكدٌ أن العملية التي كانت تدبيرا كيديا استهدف مؤسسة الجيش قد تحوَّلت إلى منحة للمؤسسة التي انطلقت في عملية تشبيب لمراكز القيادة في الدرك وبعض المديريات المركزية بوزراة الدفاع، كما استفادت من مباركة الرئيس لسلسلة من الإقالات والتعيينات، يُنتظر أن تطال كثيرا من المواقع الحساسة في الإدارات الكبرى للدولة وفي القضاء، هي التي وضع التحقيق الجاري فوق رأسها سيف الحجاج لتقطع أكثر من رأس قد تطالها عاجلا أم آجلا حملةُ محاربة الفساد في ساحتيه المفضلتين: الصفقات العمومية، ونشاط المقاولة في البناء.

مقالات ذات صلة