-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انهيار بنك “السيليكون فالي”: الدّرس!

انهيار بنك “السيليكون فالي”: الدّرس!

ينبغي للسياسة اليوم، في مختلف القطاعات، أن تُبنَى على التحليل غير الخطي أي على الاستشراف والسيناريوهات البديلة. حتى غير المتوقع يمكن أن يقع، وبسرعة ومن دون سابق إنذار. هذا ما حدث في الأسبوع الماضي للبنك الأمريكي “سيليكون فالي”. بنك أصوله أكبر من أصول عشرات الدول الصغرى مجتمعة، أكثر من 200 مليار دولار ينهار في لمح البصر ويُصبح مفلسا، ويلحق بنكٌ ثان “سيلفير غيت”، فثالث “بنك سيغنيتشر”… وتُسارع الأوساط المالية إلى نفي انهيار بنوك أخرى، ويتدخل رئيس أكبر دولة في العالم ليُطمِئَن مواطنيه وفي المقام الأول مودعي البنك المفلس، ويُبيِّن لنا أن حتى أكبر المؤسَّسات العالمية يمكنها أن تنهار وبسرعة فائقة، وأنَّ على الجميع أن يحتاط قبل فوات الأوان.

ومَهمَّة الاحتياط هذه هي عمل الاستشرافيين، وبلا شك أن البنك المنهار قد تم تحذيره من خبراء في الاقتصاد والمصارف، إلا أنه لم يعط أهمية لتحذيراتهم وهو يرى أرباحه تزداد يوما بعد يوم وأصوله ترتفع إلى 230 مليار دولار قبيل انهياره. ولكن السيناريو قليل الاحتمال قد حدث وفات الأوان. وأصبح البنك في خبر كان.

لقد نبّه علماء كبار في الاقتصاد إلى إمكانية حدوث مثل هذا السيناريو مثل “نورييلروبيني” و”جوزيف ستيغلتر” (نوبل اقتصاد)، كما أشار إلى ذلك أستاذُنا القدير الدكتور وليد عبد الحي في مقال له عن هذا الموضوع، بل إن الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” حذَّر في حملته المضادة ضد غريمه “بايدن” من ذلك، إلا أن بنك “السيليكون فالي”، حيث يتركز جزء كبير من الإبداع العالمي، لم يتمكن من استباق مشكلته وإنقاذ نفسه.

هل يتم خداعُنا باستمرار أن الغرب قادر على البقاء مُتفوِّقًا ومُتحكِّما في العالم لعقود قادمة، بل ربما لقرون؟ هل بنيانه القائم ليس بالمتانة التي يتم تصويرها لنا؟ هل هناك تضخيمٌ مقصود لصلابة الاقتصاد الليبرالي والنظام المصرفي العالمي لكي نبقى خاضعين غير قادرين على التفكير باستقلالية في بدائل تَخُصُّنا؟

يبدو أن الأمر كذلك، وكأننا سَلَّمنا بأن طريق الأنظمة الرأسمالية الغربية هي الأسلم، وبأننا لا نستطيع أن نتقدَّم إلا بإتِّباعه، وأنه لا مثيل لبنوكهم وشركاتهم وسياساتهم وديمقراطياتهم وأنظمتهم المختلفة! وكأن الإبداع قد مات، وكأن التفكير وحُسنَ التدبير قد انتهى عندهم…

مثل هذه الانهيارات المفاجئة ينبغي أن تستوقفنا، لنستعيد الثقة في أنفسنا ونعلم أن أرقى أساليب التسيير قد تفشل في لحظة، وأنَّ علينا تطوير قدراتنا الذاتية في كافة المجالات لبناء اقتصادنا أو تنظيم مؤسساتنا. علينا أن نكون مستعدين لأي انهيار مقبل في النظام الرقمي العالمي، بل وفي نظام الشبكات القائم حاليا… بكل أنواعها بما في ذلك شبكة انترنت..

ماذا لو أصبحنا وقد انهارت شبكة الشبكات العنكبوتية كما تنهار شبكة العنكبوت؟ هل نعود إلى عصر السجلات والبريد المرسَل عبر القطار؟ وهل نستطيع؟ وما هي تداعيات مثل هذا السيناريو؟

لذلك، وما دمنا لم نرق بعد إلى مستويات الاقتصاديات عالية الاعتماد على الرّقمنة، ومادمنا لم نخرج بعد من النظام التقليدي في التسيير، وهو بلا شك متخلِّف عما يعرفه العالم اليوم، علينا أن نُفكِّر في طرق أخرى تُجنِّبنا تَحَمُّل نتائج انهيارات مفاجئة لا قِبَلَ لنا بها، وغير قادرين على التكيُّف معها.

لا شك أن الأمريكيين والدول المتطورة بشكل عامّ تكون قد وضعت في الحسبان، على مستوى الماكرو، مثل هذه التطورات وأعدّت ميكانزمات للتكيف، ذات فعالية متباينة، أما نحن فلا نكاد نستطيع التفكير في حدوث مثل هذا الأمر.. ولسان حالنا يقول كما تَعوَّدَ دائما: وما لَنا والمستقبل؟ يكفينا ما نحن فيه الآن… ناسين أمرا جوهريا، أن هذا “الآن” كان بالأمس القريب مستقبلا وتجاهلناه، كما تجاهل بنك “السيليكون فالي” مستقبله إلى أن فات الأوان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!