الرأي

بابا‭ ‬مرزوق‭ ‬وماما‭ ‬فرنسا‭!‬

قادة بن عمار
  • 5098
  • 7

ليس‭ ‬جديدا‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المسؤولين‭ ‬عندنا،‭ ‬يقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعلون،‭ ‬ويفعلون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقولون،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬تعرفون‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك؟‭ ‬إنه‭ ‬عندما‭ ‬يُسّرون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُعلنون‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭!‬

فهؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم مسؤولين علينا منذ خمسين عاما، وبمختلف المناصب دون استثناء، حالهم كحال الذي لا يملّ ولا يكل من الترديد دوما في التجمعات الشعبية والنشرات الإخبارية، ومقالات الصحف..آمنّا بالحرية والديمقراطية والشفافية، وإذا خلوا إلى جماعاتهم السرية،‭ ‬قالوا‭ ‬إنا‭ ‬معكم،‭ ‬إنما‭ ‬نحن‭ ‬مستهزئون‭ ‬وكاذبون‭ ‬وساخرون‭!‬

ربما لهذا السبب، لم يكن مستغربا ولا عجيبا، تصريح أحد الوزراء لرئيس جمعية حماية التراث، حين طالبه هذا الأخير بالضغط على فرنسا لاسترجاع مدفع بابا مرزوق، فرد عليه: وهل تتوقع منا أن نُغضب فرنسا من أجل قطعة حديد!

الواقع أن هذا الوزير لا يفكر أصلا في إغضاب فرنسا ضمن حالات أشدّ، وليس فقط بسبب بابا مرزوق، فلا نحن حصلنا على أرشيفنا كاملا، ولا فرنسا الاستعمارية اعترفت بجرائمها، وكل ما نفعله ونردده هو التهديد والوعيد، وأحيانا نزيد عليهما “حبة غضب خفيفة” لا تقدّم ولا تؤخر،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬إدراجها‭ ‬ضمن‭ ‬عتاب‭ ‬الأحبة‭..‬‮ ‬والحجرة‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الحبيب‭ ‬تفاحة‭!‬

فرنسا لن تعترف بربع جرائمها خلال عهد الاستعمار أو حتى بعد الاستقلال المنقوص، طالما استمر رموزها في السلطة، وبقي حزبها قائما ومتجذرا لا يهزه أحد، ولا يقلقه أي مسؤول، وعليه، كان من السخف حقا، ترديد البعض لخبر غضب السفير الفرنسي أو انسحاب قنصل باريس في وهران، من احتفالية الجزائر بخمسينية الاستقلال على أنغام الدبكة اللبنانية، والسيد كركلا، وكأننا بإغضاب سعادة السفير أو طرد قنصله من احتفالية القفطان التي تم صرف الملايير عليها، ساهمنا في الجهاد الأعظم وأحرجنا فرنسا الاستعمارية وأقلقنا رموز باريس هنا وهناك!

الأمر ذاته وقع بالنسبة للعداء الجزائري توفيق مخلوفي، حين أراد البعض أن يُلبسه ثوبا أكبر منه، ويسيّس نصره الرياضي البحت لأغراض مشبوهة، فهو بطل كبير “على العين والراس” ولكن ستوب.. فلا نعتقد أن مخلوفي ركض وشرّف الجزائر ورفع علمها نكاية في جريدة بريطانية، فمثل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬يسيء‭ ‬للبلاد‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينفعها‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬يعلمون‭!‬

الوزير الذي قال بأنه لا يستطيع إغضاب ماما فرنسا بسبب بابا مرزوق، يقول كلاما صحيحا ومنطقيا، ونحن من هنا، ندعوه لإغضابها لما هو أكبر من ذلك بكثير، فليغضبها بسبب جرائمها الاستعمارية التي لم تترك بشرا ولا حجرا ولا شجرا إلا وصفّته، فليغضبها بسبب استهتار مسؤوليها برموزنا الوطنية، ووصف رئيسها السابق للجزائريين المهاجرين بالحثالة، أو لقيام برلمانها بإصدار قانون لتمجيد الاستعمار.. فليغضبها لأيّ سبب يراه معاليه مقنعا ولم نرتق نحن بفهمنا القاصر أو نظرتنا المحدودة لإدراكه، فليغضبها وفقط.. أم أنه يخشى من غضب بعض رموزها وأذنابها،‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬أولا،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬باريس؟‭! ‬

إذا كنا لا نستطيع اختزال العلاقات مع فرنسا في مدفع بابا مرزوق، فإنه أيضا لا يمكننا اختصار احتفالنا بالذكرى الخمسين لاسترجاع الاستقلال في احتفالية ضخمة لم تقنع أحدا، فمثلما هو التاريخ ليس مجرد قطعة حديد، فإن الحرية أيضا ليست مجرد حفلات وشطيح ورديح.

مقالات ذات صلة