-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“بابا أحمد: انزع المتفجرات من حقيبتك”

“بابا أحمد: انزع المتفجرات من حقيبتك”

من سوء حظ وزير التربية الحالي، الذي منّ الله عليه باسم فيه الكثير من “الأبوية والحمد واللطف”، أنه ورث قطاعا كان على مدار السنوات الماضية يجمع بين النار والزيت، حتى أزاح عنه نهائيا رائحة العلم والمعرفة، بل دعونا نقولها صراحة “رائحة التربية والتعليم”، ومع ذلك تمكّن من أن يقول كلمتي حق في بداية عهدته، عندما تكلم أولا عن إرث الدروس الخصوصية التي بنت مملكة موازية للتلاميذ وأوليائهم، فبعد أن كان الشعب بالكامل يتعاطف مع عمال التربية الذين كانت أجورهم متدنية وقدرتهم الشرائية معدومة، صار المعلم من أسباب تدني القدرة الشرائية لعامة الشعب المُجبر على الزجّ بأبنائه في مملكة الدروس الخصوصية، وثانيا عندما أشار إلى أن عتبة دروس البكالوريا أمر غير حضاري ولا يليق بمنظومة تربوية همّها الأول هو رفع مستوى طلبة العلم وليس تمكينهم من النجاح المادي فقط، فاستبشر الكثير من الجزائريين بهذا الدخول القوي والمتميز من وزير لقطاع به أكثر من ثمانية ملايين طالب للعلم، ولكن تراجعه خطوة إلى الخلف ضمن سياسة شراء السلم الإجتماعي التي تنتهجها الحكومة الحالية، مكّن النقابات من استجماع قواها فأقدمت على الإضراب في عز الامتحانات لأجل مطالب مادية واجتماعية وتشريفية بالكامل، قلبت الرأي العام الذي كان من أكثر المتعاطفين مع عمال التربية والتعليم، ومن أكثر الناقمين على الحكومات التي بخستهم حقهم في العقود السابقة.

تكاد تكون الميزة الأهم في الجزائريين هي تقديسهم للشهادات العلمية وإصرارهم على تعليم أبنائهم، بعد أن حرموا عبر قرون، من العلم، وتحوّل حرمانهم إلى عقدة جعلتهم يطلبونه ليس في الصين، وإنما في كل أصقاع العالم، والجزائري بإمكانه أن يحرم نفسه من كل الضروريات، ولا يحرم ابنه من التعلم، وتبقى البكالوريا هي الحدث المحترم في الجزائر الذي يشغل الناس جميعا أكثر من أي حدث إنتخابي أو رياضي أو اقتصادي، وقد أدهش أحد المتهمين باختلاس بضعة مليارات، قاضي محكمة الجنايات بالعاصمة، عندما سأله القاضي عن سبب تورطه في السرقة، فشرح للقاضي حرمانه من التعليم، وبكونه قرّر أن يرسل أبناءه للدراسة في أكبر الجامعات العالمية، فلجأ للسرقة من أجل تعليم أبنائه، وحتى المهاجرين من جزائريي الجيل الأول في فرنسا، من الذين سافروا إلى المهجر بعقدة الأمية والجهل، هم من حوّلوا أزمتهم إلى همّة وملأوا فرنسا بالمهندسين والأطباء، فصار الإجماع في الجزائر على أن يتعلم الأبناء مهما كانت الظروف الإجتماعية، لأجل ذلك قد تكون النقابات التعليمية محقة في بعض مطالبها، ولكنها بالتأكيد مخطئة عندما تجعل وليّ التلميذ خارج حساباتها.

نعلم جميعا أن التلاميذ وحتى الطلبة، يحبذون اللعب ولن تهمهم السنة البيضاء، لأنهم يرون في الشارع حريتهم، وفي حجرات الدراسة سجنا للضجر.

ونعلم أن الكثير من الأولياء صاروا يقتنعون بالمؤسسات الموازية، فيلجأون إلى الدروس الخصوصية بعد أن كفروا بمستوى المدرسة الأساسية.

ونعلم أن الحكومة صارت تؤمن بأن التعليم، قطاع لا ينتج، وسواء درس التلاميذ أو لم يدرسوا، لا يهمها الأمر، لأن المدرسة لا تعطي ولا تحرم الناس من مرتباتهم ومن الكهرباء ومن النقل ومن الماء ومن الحليب والخبز.

ولكننا نعلم أيضا أن “الإمساك” السياسي الذي يعاني منه البدن الجزائري و”الورم” الإقتصادي الذي شلّ حركته، والنزيف الدماغي الاجتماعي الذي أفقده صوابه، إذا أضيفت له انفلونزا التعليم، فسيدخل البدن في موت كلينيكي يجعل من علاجه مستحيلا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • أحلام

    الدروس الخصوصية ليست من الآن في التسعينات كنت في قسم نهائي رياضيات في الاسبوع الأول من العطلة كان أستاذ بثانوية الحجار كلوفي محمد حاليا يقدم لنا دروس الدعم عندما نسأله سؤال ماذا كان يقول لي مافهمش يجي لكور بهذا اللفظ ويقول يكفي أن يفهمني تلميذ واحد لأكمل الدرس من هو هذا التلميذ {ة} ابن مهندس في مركب الحجار أو من الأغنياء يتابع عنده دروس خصوصية بعد هذه السنوات ورغم أني موظفة بمركز مرموق لن أسامحه لأنه أخذ حق من حقوقي أقتصه منه غدا عند ربي

  • أم رشاد

    حبذا يا أ.ناصر لو بحثت في جوهر الأسباب التي تدفع بالأساتذة إلى الإضراب ...بدل أن توجه لهم أصابع الاتهام كل حين دون علم أكيد بما يحدث لهم..و الحديث طويــــــ.....ــــــل ذو شجون....

  • انيس ابو الليل

    الأساتذة الذين آلوا إلى الزوال - و أنا واحد منهم - رغم الانتقادات الموجهة إليهم يبقون من أحسن أجيال الأساتذة الذين تعاقبوا على هذا الفطاع علما و خلافا و تفانيا و إخلاصا فبالرغم من الأجر المتدني بشكل رهيب كنا نؤ دي الرسالة و نصون الأمانة و الوافع التربوي يؤكد هذا في الأجيال المتمدرسة في ثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي و أقول دونما نرجسية أو تلفيق للوافع أن القطاع أصيب في مقتل بفقد هذا الجيل الصبور و المكافح الذي تربى في غالبيته في أوساط شعبية عانت الحرمان و شظف العيش بكل أشكاله و ألوانه

  • استاذة من الاوراس

    انا معك في كل ماتقوله يااخي عبد الناصر ، ولكن الدروس الخصوصية خلقها الاولياء اقتداء بابناء المسؤولين ، وفرارا من المستوى المتدني للاساتذة خرجي الجامعة بعد اصلاحات بن بوزيد ، وصدقني سيندمون على اليوم الذي اغلقت فيه ابواب المعاهد التكنولوجية ، وسيبحث هؤلاء عن الاساتذة الايلين للزوال من اجل دعم ابنائهم علميا واخلاقيا،ولكن هيهات

  • أيوب الصابر

    بين ما يجب أن يكون وماهو كائن بون شاسع لا يستطيع الوزير بمفرده رتقه وإصلاح ما أفسده بن بوزيد وعصابته التي جعلت التعليم والتربية آخر إهتمامات الطالب والمعلم على حد سواء ،إنك لن تستطيع أن تسوق شعبا واعيا متعلما يعرف ما له وما عليه وعلى هذا الأساس عمل النظام الجزائري على إفراغ المنظومة التربوية من محتواها من خلال تكثيف الحجم الساعي وبرمجة مواضيع تافهة تنفر التلاميذ وتشويه صورة المعلم من خلال ضغف تكوينه وإظهاره بمظهر الجشع الذي لا هم له سوى الراتب والغاية تجهيل الشعب حتئ تسهل قيادته .

  • حمود

    # وقد أدهش أحد المتهمين باختلاس بضعة مليارات، قاضي محكمة الجنايات بالعاصمة، عندما سأله القاضي عن سبب تورطه في السرقة، فشرح للقاضي حرمانه من التعليم، وبكونه قرّر أن يرسل أبناءه للدراسة في أكبر الجامعات العالمية، فلجأ للسرقة من أجل تعليم أبنائه #
    هذه مضحكة و ليس شيئ يفتخر به. بدأ ينبوع أفكارك يجف و المستوى يتدنى. دوام الحال محال فعلا.

  • جزائري

    ياايها الصحافي المحترم سي عبد الناصر إعلم يقينا إن للمعلم رسالة مقدسة يقدمها للمجتمع فيتخرج على يديه الصحافي والمهندس والطبيب والخطيب والربان و الفلاح والموال ووووهذا دوره في المجتمع وليس ميزية منه كما ارجوا أن تعلم لقد سميت الصحافة بالسلطة الرابعة لكونها تقول الحقيقة وليس الا الحقيقة فنرجوا من سيادتكم تشخيص الداء لنستطيع وصف الدواء من أوصل المنظومة التربية الا ماهي عليه اليوم ؟ ومن قام بإخصائها بعدم الانجاب إن كانت لك الجرأة الصحفية فتطرق اليها بدون زيادة او نقصان وحينها نرفع لك القباعة

  • بدون اسم

    أردت أن أكتب تعليقا يعبر عن إعجابي بكتابات الأخ عبد الناصر التي تعبر حقيقة وواقعا عن نبض المجتمع وعن هموم الأمة، فلم أجد أبلغ من التعليق الذي كتبه الأخ بن بريك من تيارت (رقم2).
    وأضيف إليه أن كتابات الأخ ناصر كثيرا ما تفضح دعاوى القوة الإقليمية والقوة الجهنمية التي يرفعها هواة النفخ في القرب الفارغة.
    إن أول وأهم خطوة على طريق إصلاح الأوضاع المأساوية التي آل إليها هذا البلد، هي أن نصدق مع أنفسنا وألا نحاول تغطية الشمس بالغربال؛ فنحن بلد توفر له من الإمكانات ما كان كفيلا بإقلاع حضاري حقيقي، ولكن.

  • أمل

    تحية تقدير يا أستاذي وبعد الموت الكلينيكي سببه والله اعلم السياسة العرجاء لأننا عندما نقرا ان السيد الوزير يقيل مدير التربية لولاية المسيلة لان الأساتذة اضربوا عشرين يوما بينما هو الإضراب بدا قبل أسبوع ومع ذلك يتجرد ويقول ان الإضراب غير شرعي ولا يقال ولائقا استقالته بل يهدد ويتوعد فانا أقول على الجزاءر على الدنا السلام

  • بن بريك

    يا عبد الناصر انت تعبر بصدق عما يوجد في اتمجتمع وبدون مساحيق .رحم الله من علمك.

  • بدون اسم

    ولكننا نعلم أيضا أن "الإمساك" السياسي الذي يعاني منه البدن الجزائري و"الورم" الإقتصادي الذي شلّ حركته، والنزيف الدماغي الاجتماعي الذي أفقده صوابه، إذا أضيفت له انفلونزا التعليم، فسيدخل البدن في موت كلينيكي يجعل من علاجه مستحيلل

    كلام فيه بلاغة لغوية عالية