الرأي

بارومتر الثقة: المقياس الحقيقي للسياسة

محمد سليم قلالة
  • 2051
  • 3

لعلنا اليوم في حاجة إلى بارومتر جديد نقيس به نجاح أو فشل أية سياسة هو بارومتر الثقة التي يتركها هذا المسؤول أو ذاك، تقليديا نقيس النجاح أو الفشل بالمنجزات المادية، بالأرقام التي تحققت بنسب النمو والتطور.. وكثيرا ما نشعر بالخطأ الذي نرتكبه عندما نعتمد مثل هذه المؤشرات لأننا ببساطة غير مطمئنين لجدواها ولمن يصنعها ويقدمها لنا، وغير قادرين على مراقبتها والتأكد منها.

لا نشعر بالراحة ونحن نسمع الأرقام المدهشة المقدمة في مجال إنجاز المساكن لأننا نشعر بانعدام الثقة في عدالة التوزيع وحقيقة الإنجاز. ولا نشعر بالإطمئنان للنسب المقدمة في مجال القضاء على البطالة لأننا لم نستطع أن نصدق أبدا أنها دون الـ 10 بالمائة حتى ولو كان ذلك قريبا من الحقيقة، ولا نحس بأن أبناءنا يدرسون بطريقة جيدة ما دمنا نشك في نوعية البرامج والأساتذة والمحيط الذي يتعلمون فيه، ولا نشعر بالراحة في مستشفياتنا إذا كنا لا نثق في إداراتها، وفي أطبائها والخدمات المقدمة لنا حتى وإن قاربت المقاييس المقبولة،  وقس على ذلك جميع المجالات مهما كانت الحقائق الموضوعية جيدة، تبقى دون المستوى المطلوب إذا ما غابت الثقة.

وفي السياسة الأمر أعظم، ذلك أن شعورنا بانعدام الثقة في السياسي لا تنفع معه أرقام الناتج الوطني الخام، ولا القضاء على المديونية، ولا ارتفاع نسبة النمو، كل ما سيُعلن عنه سيبقى محل جدال ونقاش وشك إذا لم يثق الناس في السياسة العامة المتبعة؟ وعليه فإن تفكيرنا في المستقبل ينبغي ألا ينصب على تقديم الوعود للناس في هذا المجال أو ذاك، لأنهم ببساطة لن يصدقوها ابتداء، إنما هو في كيفية إرساء جو من الثقة تدريجيا في جميع المستويات، لعل بارومتر المصداقية يرتفع بعض الشيء، وعندها نستطيع أن نعيد قراءة الأرقام المختلفة بشيء من التفاؤل والثقة في المستقبل، أما وجو الشكوك سائدا، وبارومتر الثقة في أدنى مستوى، فإن كل الإجراءات لن تنفع.

   لقد سئل أحد الحكماء قديما عن أي الأسس ينبغي أن يحافظ عليها القائد إذا أراد أن تبقى الدولة قائمة ـ اقتصادية سياسية، عسكرية، الثقة…فأجاب: يمكن أن يضعف أي من الأسس هذه ونستعيدها فيما بعد، أما إذا انهارت الثقة فلن يبقى أي أساس للدولة..

علينا ألا نذهب بعيدا في تقييم ما سبق وما سيلحق.. أمامنا بارومتر للثقة نقيس به الرجال والنساء والسياسات، لا يخطئ أبدا، بقدر ما يرتفع يكون موقفنا مؤيدا وبقدر ما ينزل يكون معارضا…فليخضع كل نفسه، أو صاحبه، لهذا المقياس وسيعرف من كان أو من سيكون في المستقبل.

مقالات ذات صلة