-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الشروق العربي تنشر آخر لقاء مع أستاذ البيئة الشامية وعرّابها

بسام الملا المخرج الناجح بكل المقاييس.. وداعاً لإبداعك

طارق معوش
  • 820
  • 0
بسام الملا المخرج الناجح بكل المقاييس.. وداعاً لإبداعك
تصوير: داوود الشامي

ليس في مقاييس التأبين.. فكثير من الكلام الذي يقال في الوداع، يقال من باب المجاملات التي تفرض نفسها. وليس كذلك من باب التقويم. فتجربة امتدت لثلاثة عقود من الجد والجهد والتقدم والشهرة، لا يمكن أن يحاط بها في وقفة نقدية، قصيرة كهذه. إنها وقفة وجدان ووداع لمبدع، ملأ حياتنا الفنية والثقافية بإسهامات لا تنسى. وأمضى حياته من نجاح إلى نجاح، عبر مسيرته الفنية المتكاملة، التي لم تتوقف عن الاجتهاد في تقديم مشروع ورؤية.. بسام الملا، المبدع الكبير، والمخرج الجميل، والإنسان الراقي، يودعنا، بعد أن أودعنا أجمل ما فيه، وكل ما فيه كان جميلاً.

وزع الياسمين والنوافير في كل البيوت العربية …

لا ينتمي بسام الملا إلى جيل الرواد، في تاريخ الدراما التلفزيونية السورية، لكن أهميته في هذا التاريخ، أنه يمثّل بشكل أو بآخر، امتداداً لمدرسة الروّاد… امتداداً أصيلاً، استطاع أن يستوعب أهم ما في تلك التجارب الريادية، شكلاً ومضموناً، وأن يضيف إليها خبرة فنية، فهمت آفاق تطور التقنيات التلفزيونية، في العصر الذي بدأ العمل فيه. فكان اهتمامه باكتشاف أسرار تلك التقنيات وامتلاكها. يسير جنباً إلى جنب، مع اهتمامه العميق، باكتشاف أسرار الدراما، وأساليب توصيلها، وأبعاد تأثيرها في وجدان المتلقّي. وفي كلا المجالين، عمل بسام الملا بإخلاص، وخاض ذلك التحدّي الشجاع والمثير للإعجاب، مع تطوير وتثقيف ذاته أولاً، ومع تجاوز الشرط الاجتماعي والموضوعي الذي نشأ فيه، كابن لأسرة فقيرة كثيرة الأولاد، لم تتِح له ذلك التعليم العالي، ولا دخول الفن من أبوابه الأكاديمية. لكنها، زرعت في نفسه أهمية العمل في صناعة تجربة الحياة، وضرورة الكفاح من أجل تحصيل لقمة العيش، والاعتماد على الذات. وهذا، ما بدأنا به لقاءنا مع بسام الملاء، في لقاء خص به الشروق العربي، منذ فترة، بكواليس آخر أجزاء باب الحارة، فيصرح قائلا: عملت في الإعلام الرياضي وفهمت أصول الدراما على يد المخرج علاء الدين كوكش.

– كان أول برنامج قدّمته كمخرج منفّذ، في التلفزيون السوري، هو (أوراق صغيرة) عام 1977، قمت بتنفيذ الكثير من البرامج الثقافية والفنية الأساسية. وشكلت ثنائيا مع المُعِدّ، المذيع المعروف، مروان صوّاف، في برامج (المجلة الثقافية- مجلة التلفزيون- القنال 7). كما أخرجت لتوفيق حلاق برنامجه الذي حقّق حضوراً في الشارع السوري حينها، (السالب والموجب)، وعملت في الإعلام الرياضي، فقدّمت مع المعلق الرياضي اللامع، عدنان بوظو، برنامج (الثلاثاء الرياضي)، إلا أنني كنت أبحث عن فرصتي الحقيقية في عالم الدراما.. وقد وجدتها عندما تبنّاني فنيا أستاذ الدراما اللامع، المخرج علاء الدين كوكش.. الذي تدرّبت على يديه، وفهمت أصول الدراما، حين عملت معه مساعداً لأول مرة في مسلسل “وضّاح اليمن”، الذي صُوّر في أستوديوهات صنعاء، عام 1981، ثم في العديد من الأعمال التي صوّرها علاء الدين كوكش، لصالح تلفزيون دبي، في ثمانينيات القرن العشرين. كما عملت مع علاء الدين كوكش مخرجاً منفّذاً، في مسلسل “حصاد السنين”، الذي أنتجه التلفزيون السوري، عام 1986.

من زمان وأنا مشجع للمنتخب الجزائري.. ومستغرب لعدم انتشار السينما الجزائرية بقوة

الشروق: بما أنك دخلت عالم الإعلام وكنت معلقا رياضيا لفترة.. من الفريق الذي كنت دائما تشجعه، إلى جانب المنتخب السوري، طبعا؟

– نتحدث عن العرب.. يشهد الله أنني من زمان وأنا مشجع للمنتخب الجزائري، حتى إنني لا أزال أذكر ألمع نجوم الكرة آنذاك، مثل بلومي وماجر، والكثير ممن كانوا رمزا لكرة القدم الجزائرية.. أي نعم، الجزائر لا تملك العديد من البطولات، ولكنها، تزخر دائما بشباب هم فخر لكرة القدم.

الشروق: إلى جانب الرياضة، ماذا عن الدراما الجزائرية؟

– للأسف، معلوماتي محدودة جدا.. ربما، في السينما، كانت الجزائر تقدم أعمالا ثورية قوية. وفي كل مرة، كنت أشيد بالسينما الجزائرية، في المهرجانات العربية. وفي نفس الوقت، أستغرب عدم انتشارها بقوة، ربما نشاهد فيلما أو اثنين في السنة.

الشروق: الأعمال الشامية أصبحت موضة، وعلى الرغم من تعلق الجمهور بها، فهي تتعرض إلى هجوم. ما رأيك؟

– نعم، في السنوات الماضية، سلطت الأضواء على دراما البيئة الشامية، بعدما أحبها الجمهور وتعلق بها. وأنا لا أعرف سبب الهجوم عليها. نحن نتحدث عن أقدم مدينة مأهولة على وجه الأرض. ومن الطبيعي، أن توجد فيها قصص وحكايات لا تنضب. وتم توريثها عبر الأجيال، عن طريق اللاوعي الجمعي، عبر مخزون غير قابل للنفاد. وأنا أؤكد أن نسبة هذه الأعمال، حتى بعد طغيان نجاحها، بقيت عادية، بالمقارنة بعدد المسلسلات المنتجة في سوريا. وهوليود تقدم في السنة الواحدة أكثر من مئة فيلم، من أفلام الكاوبوي، ومع ذلك لم يملّ الجمهور منها، المهم هو الحكاية الإنسانية المؤثرة.

الشروق: في رأيك، ما مواصفات المخرج الناجح؟

– هو الذي يستوعب عمله جيدا، ويحاول نقله على مرحلتين، من خلال تعاونه مع كادره الفني، من ممثلين وفنيين، والأخذ بآرائهم ومشورتهم، لا أن يبقيهم على الهامش، واعتبارهم مجرد أدوات تنفيذية. كما يجب عليه تفهم جمهوره، وتقديم عمله مع مراعاة خصوصية العائلة، التي يصعب تحديد هويتها، لأنها مؤلفة من مختلف الأجيال والأعمار والاهتمامات والثقافات.

سنّة الحياة ألا تتحقق معظم الأحلام.. خصوصًا عندما تكون أكبر من الواقع الفعلي

الشروق: كيف ترى الجيل الحالي من المخرجين السوريين؟

– في الحقيقة، يصعب الحكم عليهم، وهناك الكثير من الموهوبين منهم، وأفضلهم هو الليث حجو، يظهر مدى جديته واهتمامه بعمله ونشاطه. وهناك الكثير من المخرجين المتطفلين. والمهنة بالنسبة إليهم، هي مصدر الرزق والشهرة. وهؤلاء، لن يضيفوا شيئًا للدراما، وأعمالهم لا تعنيني، فأنا أحترم المخرج الذي يهتم بالدراما القابلة للعيش، والقابلة للتطور والاستمرار.

الشروق: يقال إن التجريب هو السمة السائدة عند معظم المخرجين الشباب؟

– أنا ضد التجريب المجاني، فلقد تعلمت أن أي تجديد تدخله على أسلوبك، يجب أن يكون بهدف، ولا يوجد شيء مجاني في الفن، والتطوير ليس مجرد أن تكون مختلفاً، بقصد كسر الشكل التقليدي. إذ يجب أن يكون التجريب بغرض وهدف محدد عند الشعور بأن هذا الإطار والكادر لا يستوعب مخزونك. والمخرج حر بأفكاره وخياراته، ولكن التجريب بقصد الاختلاف لا يقنعني، ولن يقنع المشاهد أيضاً.

الشروق: ما الذي كان يتمناه بسام الملا من عمل لم يتحقق؟

– هناك دائماً طموحات، غالباً تكون مشروعة لأي إنسان، مهما تقدمت به السنوات، وربما تكون أكبر من قدراتنا وإمكانياتنا، وسنّة الحياة ألا تتحقق معظم الأحلام، خصوصًا عندما تكون أكبر من الواقع الفعلي، وحلمي أنا هو إخراج فيلم سينمائي عن روح البيئة الدمشقية، وليس مسلسلاً تلفزيونيا.

كيف توفي المخرج السوري بسام الملا.. سبب الوفاة

– توفي المخرج السوري، بسام الملا، بسبب صراعه مع المرض، بشكل مفاجئ.. فقد نقل إلى المستشفى، بسبب الوعكة الصحية التي تعرض لها، التي أودت بحياته، وتوفته المنية، صباح يوم السبت 22 من شهر جانفي 2022، حيث توفي المخرج بسام عن عمر يناهز خمسة وستين عاما.

اسمه الكامل: بسام الملا.. ولد بتاريخ 13 فيفري عام 1956 بدمشق.

قدم عددا مميزا من الأعمال الدرامية السورية، التي نالت إعجاب ملايين الجماهير من مختلف الفئات، من كافة أنحاء الوطن العربي. وهذه الأعمال التي قام بإخراجها بسام الملا:

– 1990 قام بإخراج الجزء الأول من مسلسل كان يا مكان.

– 1991 مسلسل الخشخاش، الذي ناقش الكثير من القضايا الاجتماعية.

– 1992 بدم مسلسل أيام شامية، وكان أكرم شريم مؤلف أحداث المسلسل.

– 2004 مسلسل ليالي الصالحية، من تأليف سلمى اللحام.

– إلى جانب مسلسل الخوالي وباب الحارة بكل أجزائه.

رحم الله بسام الملا.. المخرج الذي كان يخشاه الممثلون، الذين يعملون معه، لأنهم يعلمون أنه كان بعيداً عن أسلوب الرشاوى الجنسية، للحصول على الأدوار.. المخرج الذي كان يناديه الجميع “الآغا”، في لقب شرفي من زمن لم يعد فيه آغاوات.. ورحم الله صورة دمشق التلفزيونية، التي أبدعها بسام الملا بحُبّ، فتألّقت وخبت على يديه، وتحوّلت إلى لعنة على أيدي مقلِّديه الصغار.

أسرة مجلة الشروق العربي، يتقدمون بأحر التعازي للوسط الفني السوري والعربي، في وفاة المخرج الكبير، بسام الملا… رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!