بشار.. يسقط أم لا يسقط؟
بعد تمكّنِ المعارضة المسلحة السورية من إحراز تقدّم ميداني كبير في الشهرين الأخيرين والسيطرة على عدة مدن كجسر الشغور وإدلب ودرعا… وتحضيرها لما تسمّيه “معركة حلب الكبرى”، بدأت المعارضة تتحدث عن أن النظام السوري آيلٌ إلى السقوط بعد أشهر من الآن على أكثر تقدير.
واضحٌ من خلال انسحاب الجيش السوري من عدة مدن وقرى دون قتال أمام المعارضة السورية، ومن تدمر أمام “داعش“، أنه قد أصبح في موقع دفاعي، وفقدَ زمام المبادرة التي كانت بيده طيلة أربع سنوات، وواضحٌ أيضاً أن الدعم العسكري السعودي –القطري –التركي الفعّال الذي تلقته المعارضة في الأسابيع الأخيرة قد رجّح كفتها على النظام؛ فقد حصلت على أسلحة نوعية حسمت بها العديد من المعارك ضد الجيش ومنها صواريخ “تاو” المضادّة للدروع. لكن، هل يعني ذلك أن سقوط النظام بات قريباً كما يقول خصومه؟
لا شك أن الحرب التي استمرت 4 سنوات قد أنهكت الجيش السوري وأضعفت قدراته القتالية بنسبة كبيرة، وأثّرت الهزائم المتتالية وفقدانُ نحو ثلثي الأراضي السورية سلباً في معنوياته، كما أن قدرته على تجنيد جنودٍ جدد قد تراجعت بدورها.. ولكن كل ذلك لا يعني أن النظام السوري قد أصبح ضعيفاً وبإمكان المعارضة المسلحة إسقاطه قريباً، والأرجح أن يواصل الصمود أمامها سنوات أخرى، في ظل تواصل الدعم العسكري والبشري من حلفائه، وهيمنته على الجوّ وإلحاق خسائر بشرية ومادية فادحة بخصومه عن طريق البراميل المتفجّرة.
المعضلة الكبرى التي تواجهها سوريا الآن هو أن هناك ثلاثة أطراف تتصارع على الحكم، فإلى جانب النظام السوري المتشبّث بالبقاء، والمعارضة المتعطشة للسلطة، هناك أيضاً تنظيم “داعش” الذي تمدّد وأضحى يسيطر على نصف الأراضي السورية، وقد توسّع منذ أيام فقط على حساب المعارضة، كما دحر الجيشَ السوري في تدمر وغيرها..
المعركة بين هذه الأطراف الثلاثة يشتدّ وطيسُها يوماً بعد يوم، ولا حلّ يبدو في الأفق، سواء كان حلا عسكريا لصالح النظام أو المعارضة، أو حلا سياسياً في ظل رفض المعارضة لأي تسوية ودعم تركيا والسعودية لها في هذا الاتجاه، أما “داعش” فلا تؤمن بغير السلاح لإقامة خلافتها من المحيط إلى المحيط، وليس هناك شيءٌ في قاموسها يُسمّى الحوار مع الحكام والأنظمة، أو حتى مع باقي الفصائل الإسلامية المسلحة التي ترفض مبايعة البغدادي والانضمام إليها.
المشكلة السورية قد تتواصل سنواتٍ أخرى دون حسم عسكري لأي طرف، وحتى إذا تمكّنت المعارضة من تحقيق الحسم على حساب النظام، فستجد “داعش” في مواجهتها، وستجد صعوباتٍ جمّة في طردها من نصف الأراضي السورية، وسيستمرّ الصراعُ بينهما أعواماً أخرى عديدة، قد تنتهي بانتصار “داعش” وضمّ سوريا كلها إلى “دولة الخلافة“، أو بصوْمَلتها وتفكّكها وتقسيمها إلى دويلات و“إمارات إسلامية” هزيلة متناحرة، ما يزيد من حجم الدمار ويضاعف أعداد القتلى والمنكوبين واللاجئين…
الاحتمالات عديدة، وليس في الأفق للأسف ما يبشّر بنهايةٍ وشيكة لهذه الأزمة المعقدة والخطيرة التي ألحقت بالشعب السوري أضراراً مهولة لم تكن تخطر ببال أحد.