الرأي

بطالة الشباب التي لا تشغل حكومة من المعمّرين

حبيب راشدين
  • 1031
  • 4
أرشيف

إذا ما صدقت تقديرات الإحصاء الفصلي الصادر عن الديوان الوطني للإحصائيات حول نمو مستوى التشغيل، فإنه يكون لزاما على من عارض اللجوء إلى التمويل غير التقليدي لتنشيط الاقتصاد الاعتذار مرة ومرتين، لأن المقياس الحقيقي لأي سياسة اقتصادية ناجعة يبدأ بفحص أثر السياسة في مستويات التشغيل، وقد كان نفس الديوان قد سجل تراجعا في كتلة المشغَّلين سنة 2017 بفقدان أكثر من 70000 منصب شغل في بحر ستة أشهر، فيما يفيد الإحصاء الفصلي الأخير بتراجع نسبة العاطلين عن العمل من 12,3 % إلى 11,1 % ليقترب من الرقم المسجل نهاية 2016 مع بقاء نسبة العاطلين من فئة الشباب في مستوى مرتفع (26,4%) حتى وإن كان قد تراجع بنسبة 1,9 % عن مستوياته سنة 2017.
الإحصاء كشف عن نمو في كتلة العاملين التي تجاوزت عتبة 11 مليوناً تكون قد استوعبت التراجع المسجل العام الماضي بإحصاء أكثر من 231 ألف وظيفة جديدة، حتى وإن كان معظمها جاء بعقود مؤقتة مقابل 51 ألف وظيفة دائمة أغلبها في القطاعات الإدارية والأمنية والقطاع الإنتاجي والخدمي العمومي، كما لا تفيد تفاصيل الإحصاء بحصول تغيير يُذكر في ترتيب القطاعات الأكثر تشغيلا، إذ يبقى قطاع الأشغال العمومية والبناء يحتل الصدارة بتشغيل 1,9 مليون عامل (17,2% ) متبوعا مباشرة بقطاع الإدارات العمومية (15,7% ) وقطاع الصحة والخدمات الاجتماعية (14,1% ) يليها قطاع التجارة (15,5% ) وأخيرا قطاعا الإنتاج في الصناعة والفلاحة بـ (22,4% ) مجتمعين.
وحدها هذه الإحصائيات تعرِّي عورة النظام الاقتصادي الجزائري الذي لا يسهم فيه قطاعُ الإنتاج إلا بالخُمس، فيما تتحمل الدولة كل العبء عبر قطاع الإدارة والأسلاك الأمنية، والصحة والخدمات الاجتماعية، وقطاع الأشغال العمومية والبناء الممول بالمال العام، هي التي تتكفل بتشغيل ثلاثة أخماس الوافدين على سوق العمل بتمويل حتمي من الريع النفطي، وبإضافة تكاد تكون معدومة في نسبة نمو الدخل القومي الخام، وهو ما يفسر تراجع كتلة العاملين سنة 2017 متأثرة بتراجع العوائد المالية.
ضعف قطاعي الإنتاج في الصناعة والفلاحة في تحمل عبء صناعة فرص جديدة للتشغيل، مع كل ما استفادا منه من جهة تسهيل التمويل والإعفاء الجبائي، يؤشر إلى غياب سياسة مبتكرة تربط بين دعم الدولة والتزام المستفيدين بواجب توفير الشغل، كما يملي على الحكومة مراجعة سياسة الاستثمار في القطاع الصناعي العمومي والخاص، يمنح الأفضلية للاستثمارات الأكثر قدرة على التشغيل، إذ إن مركبا واحدا مثل مركب النسيج بغليزان يعِد بتوفير وظائف تفوق مجموع ما تعِد به شركات تركيب السيارات التي ملأت الفضاء جلبة وجعجعة ولا نرى لها طحينا.
ومع ما قد يحمد للحكومة ـ إن صدقت هذه الإحصائيات ـ فإن بقاء نسب البطالة بين الشباب فوق 25% يشكل مصدر قلق وخوف دائمين على السلم الاجتماعي، بل وعلى أمن البلد، يحتاج إلى سياسة بديلة مبتكرة تتعامل مع ملف تشغيل الشباب كتحد أمني يحظى بالأولوية، يُجنَّد له فوق ما يُجنَّد منذ سنوات لمواجهة آفات الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، التي لا تقاوَم جميعها بالإجراءات القمعية الصرفة، بل تعالج أولا وأخيرا بتوفير مناصب شغل لجيل متعلم لم يرث عن الآباء حكمة الصبر.

مقالات ذات صلة