-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بعد  “إذلال كانوسا”.. فرنسا لم تعد فرنسا!!

بعد  “إذلال كانوسا”.. فرنسا لم تعد فرنسا!!

يقول واقع العلاقات الجزائرية الفرنسية اليوم إن نقاط القوة أصبحت لدينا اليوم أكثر مما لدى الفرنسيين. نحن نستطيع تنويع شراكاتنا كما نريد مع قوى أكثر قوة وكفاءة من فرنسا، وهي تَفقِد تدريجيا، يوما بعد يوم، مكانتها في العالم وفي إفريقيا، ولا تكاد تحتل المراتب الأولى في أي مجال من المجالات. إن كان ذلك على مستوى التقدم التكنولوجي، أو على مستوى التطور الاقتصادي، أو على مستوى الدور الجيواستراتيجي بل وحتى الدور الثقافي.

فرنسا تخسر مكانتها تباعا على جميع الأصعدة وتسعى لتدارك الوضع لأجل البقاء، ونحن نتطلع إلى أفق أرحب وإلى  رُقِيٍّ مُستمر ونُدرِك أنها ليست البلد الذي يمكِّنُنَا من ذلك: إنْ كان في التبادل مع أوروبا فإيطاليا أفضل، وإنْ كان في التعاون الاقتصادي والاستثمار فالصين أفضل، وإن كان في الدور الجيواستراتيجي فروسيا أفضل. بل حتى في الجانب الثقافي واللغوي، الورقة الرابحة لفرنسا وحصان طروادة لديها، باتت اليوم تفقد دورها فيه تدريجا حتى في عقر دارها…

والمتمعن في  تصريحات الرئيس الفرنسي المركِّزة على الشباب يتأكد لديه ذلك، أن هذا البلد بات يُعلِّق آماله على محاولة  نهب طاقاتنا الشبابية الجديدة واستغلالها باسم التكوين المشترك، والهجرة الانتقائية، بعد أن أصبحت مدارسه تغلق أبوابها بسبب عدم وجود تلاميذ للدراسة بها  الناتج عن انهيار معدل الخصوبة عند الفرنسيين.  لقد صرح وزير التربية الوطنية الفرنسة يوم 2 أوت الماضي أمام مجلس الشيوخ أن فرنسا ستخسر 67000 تلميذ عند الدخول المدرسي القادم (سبتمبر 2022) مقارنة بسنة 2021، وستخسر نحو مليون تلميذ خلال الخمس سنوات القادمة!! ومن جهة أخرى، أعلنت أكاديمية التربية بباريس أنها ستزيد هذه السنة من عدد المدارس العمومية التي تعتمد ازدواجية اللغة (فرنسي ـ انجليزي) من 20 إلى 32، بعد أن أصبحت كافة المدارس الخاصة تعتمد الإنجليزية كلغة تدريس وبعد أن أصبحت لدى الأطفال الفرنسيين إعاقة في تعلم لغة أجنبية أخرى.

إذا أضفنا إلى هذا كيف أن هذا البلد سيفقد كل مصادر طاقته النووية لو تطرده النيجر من أراضيها كما طردته مالي وكما هي الآن تفعل كل البلاد الإفريقية، سيتبين لنا، مدى هشاشة الموقف التفاوضي الفرنسي على جميع الأصعدة.

ورغم أننا لا يمكن الادعاء بأن بلدنا أقوى اقتصاديا بالنظر إلى الفارق الكبير في الناتج الوطني الخام، وفي درجة التصنيع، ونوعية البنية التحتية، (لأسباب لها علاقة بنهب العالم الثالث لقرون عدة)، إلا أن الملاحظ وما يَبعث  على الأمل أن بلادنا في طور الصعود مع شركائها الاستراتيجيين الذين هم كذلك، وهذا البلد في طور النزول مع شركائه الاستراتيجيين الذين باتوا عاجزين عن ضمان شتاء دافئ في قادم الأشهر والسنوات.

يكفي أن نقرأ ما جاء في موقع جريدة “لوفيغارو” الفرنسية أول أمس، بشأن موقف فرنسا من الغاز الجزائري: “لقد دافع ماكرون عن كونه ذهب إلى “كانوسا” allé à Canossa أي توسل لدى الجزائر، مشيرا إلى أن وزن الغاز الجزائري في المزيج الطاقوي الفرنسي لم يزد عن 20 بالمائة”… ومعنى الذهاب إلى “كانوسا” وهي قلعة إيطالية، أنه فعل ما فعله الإمبراطور هنري الرابع سنة 1077 أمام البابا غريغوار السابع، ليرفع عنه الحرمان، أي ركع أمام رجليه في تلك القلعة بعد أن تركه ينتظر 3 أيام في العراء تحت عاصفة ثلجية قاسية.. وقد استخدمت العبارة بشكل واسع في الأدبيات الغربية باسم “إذلال كانوسا” بكل الدلالات التي يحملها… يكفي هذا لِنقتنع بعد اليوم أن فرنسا لم تعد فرنسا…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!