جواهر

بعد رحيل أبي رحلت المحبة من قلبي‎

الشروق أونلاين
  • 5131
  • 33
ح.م

تحية عطرة أزفها إلى طاقم جواهر الشروق والقراء الكرام أما بعد:

كنت أعيش في سعادة مع عائلتي رغم أن أبي كان عاملا بسيطا بمؤسسة وكان يحبني بشدة أنا وإخوتي، ولم يكن يسمح لأي أحد أن يؤذينا وكان يعرف حتى ما نحب أكله وما لا نحبه.. لقد كان يشتري السمك دائما تقريبا لأني أحبه كنت أمشي معه في الطريق وأمسك يده وكنا أصدقاء حتى أن الجيران كانوا يغارون من علاقتي بأبي لان أبوهم لم يكن مثله ولم تكن الابتسامة تفارق وجهي..

كان الناس يحسدونني ويسألونني عن سر ذلك وكنت مثل جبل لا تهزه الريح في شخصيتي وفصاحة لساني لكن الحياة كانت تخفي ما لم أكن أتوقعه، ففي أحد الأيام أصيب أبي ببعض الآلام وذهب مع أخي إلى الطبيب فأخبره أنه مريض  لكنه أخفى علينا الأمر ومرت أيام قليلة فقط حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم وغادرنا أبي فجأة ويومها دخلنا أنا وهو ضاحكين في الصباح وسعداء لكنها كانت ضحكتي الأخيرة مع أبي لأنه في المساء توفي بالمستشفى فنزل الخبر كالصاعقة علينا وكان كالزلزال الذي ضرب حياتي ودمرها..

مرت عليّ أيام دون أكل ومرضت كثيرا وفقدت وزني حتى صار كل من يراني لا يعرفني وفقدت الأمل في الحياة وبقيت أبكي لأيام وأسابيع وشهور، وصرت لا أحب أحدا حتى نفسي فرحلت المحبة من قلبي برحيل من أحببته أكثر من نفسي ـ رحمه الله ـ فلم أعد مثلما كنت!

أصبحت لا أتكلم وإذا تكلمت أتخاصم معهم في البيت لأني لا أسمح لأحد بأن يفكر في نسيانه وعندما أجد ملابسه في الخزانة يمر شريط الذكريات وأقلب صفحات الماضي وأتذكر أبي فيزيد حزني  الذي ليس له حدود، رغم كل محاولاتي لا أستطيع أن أنسى وأكمل حياتي فعيني لم تعد تستطيع ذرف الدموع لكن قلبي لا يزال في ذلك اليوم الأسود قبل سنتين فكل سنين عمري لن تكفي لشفاء الجرح الغائر..

بعد تفكير عميق وتردد كبير قررت أن أراسلكم عسى أجد طريقا يخرجني من هذا النفق المظلم.

من قلب مكسور

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الرد:

تحية طيبة أختي الكريمة والله أسأل أن يوفقك ويبلسم جراحك ويبدل أحزانك أفراحا وبعد:

كل ما ذكرته عن علاقتك الوطيدة والطيبة بوالدك وحبك الشديد له وفرط تعلقك به هي مشاعر جميلة والأجمل لو تمكنت من طي صفحة حزنك وتفرغت للصلاة من أجله والدعاء له فهذا ما يحتاجه منك الآن، وهو ليس قولي وإنما قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”.

حزنك وبكاؤك لن يغيرا حقيقة موته ورحيله لكن تفكيرك السليم وخروجك من دائرة الألم هو ما سيجعله مرتاحا في قبره، وهنا كوني على ثقة يا أختي أنه لو استطاع مخاطبتك لطلب منك أن تعيشي حياتك وأن تذكريه بخير وأن تجعلي علاقتك به في خانة الذكريات الجميلة التي تحفزك لنفعه بالدعاء والصدقة والعمل الصالح وما إلى ذلك من أمور إيجابية يجزى عليها خير الجزاء.

فكري بعقلك مليا أخيتي وراجعي نفسك جيدا ثم قرري أي الطريقين تريدين، طريق السعادة أم طريق الضياع؟ وأيهم أنفع لوالدك بكاؤك أم دعاؤك؟ وبماذا يفيدك الحزن وإلى أين يقودك الألم وكم ستستمرين على هذا الحال؟.. هذه الأسئلة وغيرها ستجعلك تستفيقين من غفلتك، خاصة إن أدركت أن الموت مصير حتمي ينتظرنا جميعا ولا بد أن نعد العدة ونحسن العمل ولا نسخط من القضاء والقدر.

امسحي دموعك عزيزتي ولملمي شتات مشاعرك وعاهدي نفسك أن تكوني في مستوى توقعات والدك الذي منحك كل الحب كي لا يكسرك رجل بعده، ورباك أحسن تربية كي تذكريه بدعوة صادقة في ساعة مجابة، والأكيد أنه شحنك بالطاقة كي تفيدي أهلك ومجتمعك وليس لكي تعتزلي الحياة وتخاصمي الأقربين.

إن جميع من في المنزل يحبون الوالد رحمه الله وعدم حديثهم الدائم عنه لا يعني أنهم نسوه وإنما هم يحاولون العيش بطريقة عادية والاستمرار بتلقائية وذاك هو النهج الصواب الذي ينبغي عليك السير فيه، أما البكاء والحزن والألم فهي مشاعر سلبية يحاول الشيطان فرضها كي يقنطكم من رحمته سبحانه وتعالى.

أنتظر رسالة أخرى منك تقولين فيها بأنك تصالحت مع الذات وقررت أن تعيشي الحياة وأن تكوني أكثر حرصا على الطاعات والله المستعان.

للتواصل معنا:

fadhfadhajawahir@gmail.com

مقالات ذات صلة