-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بقرة.. غير حلوب

بقرة.. غير حلوب

وزير الفلاحة، السيد عبد الوهاب نوري، قال: إن الجزائر تسبح سنويا في خمسة ملايير لتر من الحليب، ونبّه إلى أن الفرد الجزائري، يستهلك ما لا يقل عن مائة وأربعين لترا من “الذهب الأبيض”، كله نتاج أبقار من خشاش مراعي أوكرانيا وإنجلترا وفرنسا. والوزير يعلم جيدا لماذا يعيش الجزائريون من الحليب، لأنه أدرى الناس بحالة بقية المواد الغذائية التي تمنح أجسامنا البروتينات والكالسيوم، لأجل ذلك يلجأ الجزائري مُكرها وليس مخيّرا إلى تعاطي أكثر من مائة وأربعين لترا من الحليب سنويا إلى حد الثمالة، بعد أن صارت اللحوم والأسماك والأجبان والفواكه لمن استطاع إليها سبيلا. ويعلم أيضا أن التدعيم الذي يتحدث عنه يذهب في الغالب إلى الأجبان، كما يذهب القمح والسكر المدعم إلى صناعة الحلويات الفاخرة، ولا نظن أن أي جزائري يلاحق شاحنة أكياس الحليب مبتهج بحاله مع هذا السائل الأبيض الذي سميناه الحليب بـ”العافية”. والسيد الوزير الأول، عبد المالك سلال، اكتشف فجأة أن وضع الحليب في الأكياس غير صحي، وطالب بتعليب جديد لهاته المادة كما هو حاصل في كل بلدان العالم.

وواضح ما بين إحصاءات وزير الفلاحة وقرارات الوزير الأول، أن البقرة الوحيدة المعترف بها في الجزائر هي بقرة “حاسي مسعود” التي حلبت لنا 15 مليار دولار في السنوات العشر الأخيرة لأجل استيراد هذه “البودرة”، التي نسميها حليبا، لأن وزير الفلاحة استعرض أرقاما أبانت أننا أمة نسبح ونسكر بحليب غيرنا، ووعد بمحيط آخر من الحليب من بلدان أوربا، والوزير الأول بدا مهتما بمنظر الحليب وقشوره وليس بلبه، ووعد يتحسين صورته، معتمدين في ذلك على بقرة النفط التي مزّقنا ضلوعها، ومزقنا معها كل مبادرات الخروج من الاتكال على الغير في غذائنا.

وإذا كانت الدراسة التي أشرفت عليها لجان وزارية مشتركة، قد بينت أن ما يستهلكه الجزائري من خليط أبيض في السنة الواحدة، يكفي لاستيراد قرابة نصف مليون بقرة حلوب، فإننا لا نفهم كيف لوزارة تشرف على دراسة نظرية ولا تحولها إلى التطبيق، لأن المواطن لا تهمه سوى السمكة الطازجة، أما الدولة فوظيفتها أن تعلمه كيف يصطاد، ولكن للأسف هي التي كرّست تقديم السمكة والحليب والقمح، فالجزائر تستورد السمك أكثر من قوارب الصيد، وتستورد القمح أكثر من البذور والجرارات، وتستورد الحليب أكثر من الأبقار، فبالنسبة إليها بقرة النفط هي التي تبني العمارات والجسور وتجلب الدواء والحبوب والسكر والقهوة والحليب وتشتري السلم الاجتماعي.

 

تعيش البقرة الحلوب بين عشر إلى عشرين سنة، ومع ذلك ما زلنا نحلب بقرتنا منذ نصف قرن، فقد قدّسها الهندوس إلى درجة العبادة، وذكرت في القرآن الكريم في أطول سورة باسمها، وأصيبت بوباء الجنون في حرب الحليب التي اندلعت في العالم، وبقيت البقرة الوحيدة عندنا هي بقرة حاسي مسعود نحلب ذهبها الأسود لأجل أن نسكن ونركب ونأكل.. ونشرب أيضا حليبها الأبيض.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!