بكالوريا الغد… قطيعة مع “إصلاحات” الزيغ؟
ينبغي النظر إلى امتحان بكالوريا غدٍ الأحد على أنه محطة مهمة جدا لإحداث قطيعة جذرية مع “إصلاحات” الزيغ التي قادت المدرسة الجزائرية إلى وضع كارثي ترجمته وزيرة التربية منذ أيام قليلة بقولها إن أغلب حاملي الليسانس غير مؤهّلين لممارسة التعليم.
تصريح الوزيرة الذي جاء بعد امتحان 70 ألف متخرّج في الجامعة، يُعدّ اعترافاً غير مباشر بفشل “الإصلاحات” المفروضة على الشعب منذ نحو 13 سنة، والتي حاولت الوصاية مغالطته بشأنها من خلال الحديث عن “نجاحها” استناداً إلى نسبة النجاح المرتفعة في البكالوريا كل سنة، والتي تتراوح بين 50 و70 بالمائة، مع أن تضخيم النتائج من خلال التساهل في نوعية أسئلة الامتحانات كل سنة، والتساهل في تصحيح الإجابات، كان واضحاً للعيان.
بعد سنواتٍ عديدة من التضخيم والتباهي بـ“جامعة المليون طالب“، طفت النتائج الكارثية لتسييس البكالوريا على السطح ولم يعد بالإمكان الاستمرار في مغالطة الناس بشأنها؛ فلا أثر للجامعة الجزائرية في التصنيفات الدولية للجامعات العالمية المحترمة، وكثيرٌ من المتخرّجين في الجامعة لا يحسنون كتابة طلب عمل، وبعضُهم لا يفرّق بين التاء المفتوحة والتاء المربوطة، ومعظم المؤسسات العمومية والخاصة أضحت تتهرّب من توظيفهم لضعف مستوى الكثير منهم ومحدودية تكوينهم، قبل أن تختمها بن غبريط منذ أيام فقط بتصريحها المدوّي عن عدم أهلية أغلب حاملي الليسانس لممارسة التعليم.
في أواخر مارس الماضي، اعترف فريد برّمضان، المفتش العام للبيداغوجيا بوزارة التربية، بأن التلاميذ الذين حصلوا على البكالوريا منذ 2003 إلى الآن، ليس لهم أيّ مستوى علمي، وهم غير مؤهّلين للحصول على مناصب عمل بسبب ضحالة مستواهم المعرفي، وحتى الأساتذة الذين تم توظيفُهم في قطاع التربية حديثاً أظهروا “مستوى متدنياً جدا“، وانتقد برّمضان التفاخر بارتفاع نسب النجاح في البكالوريا والتي تبلغ أحيانا 75 بالمائة، وطالب بالعودة إلى بكالوريا العقود الماضية، حيث كان الاعتمادُ على النوعية وليس على عدد التلاميذ الناجحين.
كل هذه الاعترافات المدوّية تؤكد أن إصلاحات بن زاغو قد بلغت نهايتها، وأن الوصاية تتحمّل كامل المسؤولية عن فرضها على الشعب برغم كل الاعتراضات والتحذيرات والانتقادات التي وُجّهت إليها آنذاك. انتهت “إصلاحات” الزيغ، ولابدّ من إصلاح آخر الآن تكون ركيزتُه مدرسة السبعينيات، ويقوم على معايير بيداغوجية وعلمية صارمة لا مكان فيها للمجاملة، ويدير ظهره تماماً للأطروحات الإيديولوجية البعيدة عن قيم الشعب.
نتمنى أن تكون بكالوريا غد الأحد بمثابة محطة مهمّة للشروع في هذه الإصلاحات؛ فإذا كان عددُ الطلبة الذين يستحقون النجاح في هذا الامتحان لا يتعدى 150 ألف تلميذ أو 200 ألف، فينبغي أن لا يكون هناك أيّ تساهل مع غثاء السيل خلال عملية التصحيح بغية تضخيم عدد الناجحين.
نريد استعادة هيبة البكالوريا والجامعة، وإحداث القطيعة مع السياسات الشعبوية والتباهي الأجوف بالنتائج المضخّمة، نريد إطاراتٍ نوعية، ونخبة عالية التكوين والتأهيل، وباحثين كباراً يساهمون في تقدّم البلد.. وحظا سعيدا لطلبة البكالوريا المجدّين المجتهدين الذين يستحقون النجاح.