بلا مزايدة ولا تخوين
بدأت بعض الأصوات تعلوا هنا وهناك، وتتهم الجزائريين الذين اتخذوا موقفا بعدم التصويت، بقلة الوطنية والخيانة، وغيرها من الأوصاف التي يسمح بعض المتنطعين لأنفسهم، بأن يطلقها على نصف الجزائريين.
في العالم كله، يعتبر التصويت حقا للمواطن، لا أحده يمنعه من آدائه، ولا أحد يجبره على القيام به، ولا أحد له الحق في لومه إذا رفض القيام به، إلا في الجزائر، التي نسمع فيها كلاما بتخوين من يرفض الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وكأن الوطنية توقفت عند أولئك الذين يزايدون على غيرهم، في موضوع الوطنية وحب الجزائر.
إذا كنا نريدها ديمقراطية حقيقية، فينبغي أن نسمع لبعضنا البعض، ونبتعد عن فكرة أن البعض يحب الجزائر أكثر من البعض الآخر، لأن تلك ”شوفينية” لا طائل منها.
نسبة كبيرة من الجزائريين لم تذهب إلى صناديق التصويت، لأنها لا ترى جدوى من انتخاب برلمان صوري، لا يقدم شيئا ولا يؤخر في العملية السياسية، وليس لأن مؤشر الوطنية عندها دون مستوى الذين صوتوا، ومن الخطأ الاعتقاد كذلك، أن المقاطعين للتصويت إنما فعلوا ذلك استجابة للمنادين بالمقاطعة، خصوصا أن الداعين للمقاطعة مفصولون عن المجتمع.
وإذا أرادت السلطة تغيير الصورة، وجعل الجزائريين يتدافعون مجددا أمام مراكز التصويت، فإن أمامها طريقا واحدا، هو إعطاء الكلمة للشعب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأول خطوة هي التوقف عن التفكير بدلا عن الشعب، وتتركه يمارس السلطة عن طريق ممثليه في البرلمان، بالرغم من الاختلالات التي شابت عملية الترشح، والتي قد تفضي إلى نوعيةٍ من البرلمانيين لا علاقة لهم بتطلعات الجزائريين.
عندما يدرك المواطن أن الذي يختاره عبر صناديق الاقتراع هو الذي يدير شؤونه، وعندما يدرك أن الذين يقدمون أنفسهم للمسؤولية لديهم من الكفاءة والخبرة ما يؤهلهم لذلك، حينها لن يكون الجزائريين بحاجة إلى من يخوفهم بالتدخل الخارجي وبالفتنة، إذا لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع.