الرأي

بلفوضيل.. ظالم أم مظلوم؟

بعيدا عن الحسابات التقنية والخططية والبدنية، التي يتكفل بها مدربو كرة القدم، ومن المفروض أن لا تعني غيرهم، فإن قضية اللاعب الجزائري المحترف إسحاق بلفوضيل المُبعد من المنتخب الجزائري، أخذت أبعادا أخرى أعادت الحديث عن “التجنيس” تحت الطلب وبشروط، بين مدافع عن لاعب من مواليد مستغانم، وكان أول من سجد في الملاعب الإيطالية، وبين من قال إن الحصول على الجنسية الجزائرية لا يجب أن يكون مقابل منصب أساسي في المنتخب الجزائري الذي صار قاب قوسين أو أدنى من المشاركة في كأس العالم بالبرازيل. وكان المدرب الراحل عبد الحميد كرمالي قد اتهِم سابقا بتهميشه للاعب الكرة “الفرنسي العلم والنشيد” زين الدين زيدان، وقيل حينها إن زيدان له مبرراته في اختيار الدفاع عن العلم الفرنسي، وكأن التشبث بالجنسية الجزائرية أو الانتماء الوطني يجب أن يكون له مقابل ملموس.

وتصوّر الكثير من اللاعبين من ذوي الأصول الجزائرية في فرنسا أن رئيس الاتحاد الجزائري، محمد روراوة، حامل حقيبة فيها عدد من جوازات السفر الجزائرية يبيعها للاعبين يتسلمون بعدها مكانا ضمن التشكيلة الأساسية الجزائرية التي تلعب كأس العالم، في الوقت الذي ما زال كثيرون من الجيل المغترب الجديد يسافرون بجوازات سفر فرنسية، ولا يستخرجون جوازات جزائرية، ما داموا غير مستفيدين من الريع، ومن ريع المنتخب الجزائري بالنسبة إلى اللاعبين المحترفين.

وقضية لاعب الكرة المحترف، لا تنطبق فقط على المغتربين، ومنهم من تخلى عن الجنسية الفرنسية بعد أن “هرم” طمعا في الترشح للرئاسيات القادمة، وإنما طالت حتى مواطنين ومسؤولين يعيشون في الجزائر، فوالي الولاية أو الإطار السامي أو رئيس البلدية وبقية المسؤولين، عندما يكونون يغرفون من سلة الفاكهة، نجدهم في كل الاحتفالات الوطنية ينشدون قسما بأصوات جهورية ويقفون للعلم الوطني ويزورون مقابر الشهداء وربما يذرفون الدموع أيضا، وعندما يغادرون مناصبهم مطرودين أو حتى متقاعدين، يتوقفون عن مزاولة “الوطنية” التي صارت فعلا مهنة يتقاضى عليها الكثيرون أموالا ومراتب وامتيازات مادية ومعنوية. وكثير من المواطنين صاروا يرون الوطنية حقا وليست واجبا، بحجة ثراء البلد بالخيرات التي يجب أن تذهب إلى الأفراد لأنهم يمتلكون الجنسية الجزائرية.. وفقط.

لقد فازت هولندا بكأس أوروبية مرة واحدة في تاريخها، بلاعبين من سرينام من أمثال “غوليت وراي زيغر وريكارد”. وفازت فرنسا بكأس عالمية واحدة بلاعبين من أصول غير فرنسية من أمثال زيدان وجوركاييف. وفازت بريطانيا بأولى ذهبيتين في السباقات الطويلة في تاريخها الأولمبي بفضل العداء الصومالي المسلم محمد فرح. وعندما حاولت الجزائر الاستعانة بجزائرييها الذين يعيشون في فرنسا، دخلت هذا النفق الذي جعل أحد الجزائريين يعتقد بأن إسحاق بلفوضيل سيندم طول حياته لأنه اختار الجزائر وليس فرنسا، بسبب ما أسماه بالتهميش الذي طاله من مدرب بوسني حرمه من التواجد مع المنتخب الجزائري.

هل كان بلفوضيل ظالما لأنه أراد مكانا أساسيا مع المنتخب الجزائري؟ أم كان مظلوما لأنه حُرم من السفر إلى واغادوغو؟ قد نختلف في الإجابة عن هذا السؤال، ولكننا بالتأكيد سنتفق على أن الجزائر هي المظلومة في كل الحالات، لأننا اختصرناها في لعبة الكرة وفي امتيازات مادية وكرسي مسؤولية زائل.  

مقالات ذات صلة