-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مكث أشهرا داخل بيت والديه خوفا من الحرب

“بنجامان ستورا” يستذكر ذكريات هروب عائلته من الجزائر

محمد مسلم
  • 2785
  • 0
“بنجامان ستورا” يستذكر ذكريات هروب عائلته من الجزائر

تأبى الأقدام السوداء من الأوروبيين واليهود الذين عاشوا في الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي، نسيان النعيم الذي تمتعوا به، وكذا آلام ومعاناة المغادرة بعد الاستقلال بسبب مواقفهم المخيّبة من قضية الشعب الجزائري، ولذلك لم يتوقفوا عن توثيق لحظات “الهروب الكبير” بعد سنة 1962.

ومن بين الذين استمروا بدون عناء في التأريخ لمشاعر مفارقة الأرض التي ترعرعوا فيها ولم يقدموا ما يشفع لهم بالاستمرار في العيش فيها، عائلة المؤرخ الفرنسي الشهير، بنجامان ستورا، الذي أصدر العديد من المؤلفات في هذا الصدد ولا يزال، وآخرها كتابه الجديد “الوصول”، وهو مؤلف يستحضر فيه ستورا لحظات الانتقال من وطن إلى آخر، في مشهد درامي.

يومها لم يكن بنجامان ستورا بالغا فقد كان في سن الثانية عشر، ومن ثم فهو غير مسؤول عن المعاناة التي عاشها، ولكن السؤال الذي يطرح هنا، لماذا قررت عائلته المغادرة؟ فالآلاف من الأوروبيين واليهود حافظوا على تواجدهم في الجزائر من دون مشكلة تذكر، والكثير منهم توفوا في الجزائر ودفنوا فيها، ومن بينهم مشاهير.

غالبية الأوروبيين واليهود الذين قرروا المغادرة بعد استقلال الجزائر، هم أولئك الذين تورطوا في الحرب إلى جانب جيش الاحتلال ضد الجزائريين أصحاب الأرض الحقيقيين والمقهورين من قبل فئة قليلة وافدة استأثرت بالثروة والنفوذ واحتكرت القوة بداعي القهر والإحلال.

يستحضر ستورا ذكريات الهروب من الجزائر والانتقال إلى الوطن الجديد، فرنسا، ويقول في حوار خص به يومية “ويست فرانس”، فيقول: “أتذكر حزن والديّ في المطار. عمري 12 عامًا تقريبًا، وأختي أكبر قليلًا. كل شخص يحمل حقيبتين وكلنا نرتدي ملابس دافئة على الرغم من الشمس الساطعة. لأكثر من عام، سمعت والديّ يتهامسان لبعضهما البعض، ينتابهما الكثير من القلق: هل سنرحل؟ هل سنبقى؟ في ذلك اليوم كنا نغادر إلى باريس. كنا نغادر إلى مدينة كبيرة سمعت عنها الكثير، والتي كانت مثالية، بل أعجبني ذلك. ولم أتخيل للحظة أننا لن نعود أبدًا”.

يُسأل ستورا من قبل الصحفي: “في الأشهر السابقة، هل لم تعد تخرج من المنزل”؟ فيرد: “منذ خريف عام 1961، كنت محبوسًا في المنزل. كان هناك عنف في كل مكان. سمعنا الانفجارات، لكن من دون أن نعرف مصدرها. تم تعليق الدروس. كان هناك جنود ومراقبة في كل مكان. بالنسبة لي، كان هذا الرحيل يعني الذهاب إلى بلد ينعم بالسلام، بلا حرب”.

أما بالنسبة لشعور المغادرة عند الكبار فـ”كان الألم والصمت. على متن طائرة المغادرة، لم يجرؤ أحد على الكلام. عنف الوضع سحق المحادثات”، يقول المؤرخ. أما الصورة التي بقيت راسخة في ذهنه، فهي “مدينة الأنوار، الواقعة على الطريق الدائري بين أورلي ومونتروي، كان كل شيء مظلمًا، ولم يكن هناك شيء يضيء. وفي اليوم التالي، تستيقظ في بلد آخر. في صمت، لا تعرف أحداً، لكن يمكنك الخروج والمشي كما تريد. إنه شعور غريب جداً”.

“نعم، هذا هو الشعور الذي كان لدي. في قسنطينة”، يقول ستورا، “كنت أعيش في الحي اليهودي الإسلامي، حيث الشوارع الضيقة مكتظة ببعضها البعض. في باريس، كل شيء واسع، ودور السينما والمقاهي في كل مكان. إنها دولة جديدة”.

وبالنسبة لعائلة ستورا، فإنها عانت في سنواتها الأولى في فرنسا على جميع الأصعدة، فقد واجه الوالد مشاكل البطالة وقساوة البرد في الشتاء، كما قال، أما “والدتي فعانت من حزن شديد”. ويعترف ستورا بأنه عانى من العنصرية في بلد الحريات والحقوق، يقول: “لدي اسم أول نادر في ذلك الوقت: بنجامان. سُئلت في المدرسة الثانوية: “بنجامان، إنه يهودي، أليس كذلك؟”، وأنا أجيب: “لا على الإطلاق، لأنني لم أكن أرغب في أن أتعرض للتمييز”، ولذلك كان يخشى إظهار لكنته اللغوية باعتباره أحد أبناء الأقدام السوداء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!