بن غبريط … ستدخل الصف؟
لم تكن السيدة نورية بن غبريط، عندما حملت حقيبة بحجم وزارة التربية الوطنية، تدرك مدى صعوبة المهمة أمام الملايين من الأساتذة والموظفين والتلاميذ وأوليائهم، من الذين عوّدهم الوزير الأسبق أبو بكر بن بوزيد أن تُستجاب كل مطالبهم، حتى ولو كانت غير منطقية وغير تربوية، فتحوّلت الوزارة إلى شبه مملكة “بروناي” توزع فيها العطايا، وتحذف فيها المقررات، فأمضى السيد بن بوزيد ربع قرن على رأس الوزارة، قال فيها كلمة نعم، أكثر من عدد الكلمات التي كتبها الطبشور في المدارس الجزائرية.
السيدة وزيرة التربية الوطنية صارت إذا تكلمت أغضبت، وإن لمّحت أغضبت، وإن سكتت أغضبت أيضا، إلى درجة أن وفاة مقتصدة في وهران، ألصِق بها وتحوّل عمال التربية والمقتصدون إلى أطباء أعطوا تشخيصا للمرض الذي أودى بحياة المقتصدة، وستكون السيدة بن غبريط مجبرة على الاستعانة بالسيد وزير الصحة لأجل شرح أسباب كل مرض يصيب أي عامل في قطاعها، لأن ارتفاع المصابين بالسكري وضغط الدم والمشاكل النفسية، وحتى تلميحها بحذف العتبة لم يمرّ بردا وسلاما، ولم تصمد الوزيرة أمام نصف مليون ثانوي، غالبيتهم من القصّر، وهي التي تعيش، ضمن حكومة أشبه بمصلحة الإطفاء، كل وزير يحمل خرطوم مياه، بينما حاولت هي أن تجتهد، وفشلت، في الوقت الذي فضل بقية الوزراء، ترك حصان البلاد يسير تحت سوط الشعب، ومن دون أدنى تدخل لحكومة لا مهمة لها سوى ربح السلم الاجتماعي بكل الطرق الممكنة، ونكاد نجزم أن طلبة البكالوريا لو اجتهدوا أكثر، وطالبوا بإنزال معدل النجاح أو حذف مواد أساسية من برنامج امتحان الشهادة، لنالوه، كما سينال المقتصدون ما طالبوا به إن عاجلا أو آجلا.
الحكومة منذ عهد السيد عبد العزيز بلخادم، صارت وظيفتها الوحيدة هي عدّ الاحتجاجات التي تقع في السنة الواحدة، وهي الآن تعدّ عدد الإضرابات التي شلت الجامعات وبقية القطاعات، ولن تجد بن غبريط من يساعدها في إطفاء نار الاحتجاجات، بعد أن بلغت عدوى “ليّ” الذراع إلى كل القطاعات، سوى أن تقبل بالشروط كاملة صاغرة بالنسبة للطلبة والمقتصدين، وتمدّ يدها للخزينة بالنسبة للعمال، وتغمض عينيها بالنسبة لتجاوزات بقية الفئات، من دون أدنى برنامج لإخراج البلاد من هذا الوضع الذي جعل الثانويين من دون ثانويي العالم، تُحدد لهم الدروس المعنية بشهادة البكالوريا التي هي عصارة ثلاث عشرة سنة على الأقل من الدراسة.
كل الكلام الجميل عن إعادة الصورة الجميلة للبكالوريا، وتحسين مستوى المعلمين والأساتذة والمقتصدين، وإحداث ثورة في البرامج، الذي قالته ذات ليلة السيدة بن غبريط، ذاب مع شمس اليوم الموالي، لتنضم السيدة الوزيرة إلى صفوف وزراء الظل الذين يحملون حقائب فارغة، ويمرّون عبر حكومة بيضاء تأتي وتمضي ولا أحد يذكر اسم الوزراء ولا نقول أعمالهم، فإن كانت السيدة الوزيرة تعلم مدى صعوبة المهمة وفشلت في مهمتها فتلك كارثة، أما إذا كانت لا تعلم فعلا، فتلك كارثة أكبر.