الرأي

بن مهيدي في مقصلة السينما!

ح.م

بمجرّد إعلان وزارة المجاهدين عن منع فيلم “العربي بن مهيدي” التاريخي من العرض، ثارت عاصفة من التعليقات السلبية المناهضة للقرار، إذ انخرطت الأغلبية من رواد التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتهم الصحفيون، في الدفاع عن العمل الفنّي دون ترك هامش للتراجع أو المراجعة، ريثما تتّضح الأسباب الحقيقية.

نحن لا نؤيد ولا نعترض على القرار الإداري للوزارة، إن كان مبرّرا موضوعيّا، كونها سلطة عامّة مارست حقها في الرقابة، زيادة على أنها جهة ممولة للإنتاج، لكن ما يهمّنا هو مسألة التعاطي مع التاريخ بشكل عام، في حقول الكتابة والأدب والسينما ومختلف الفنون الإبداعية الأخرى.

صحيحٌ أن المنتقدين للقرار العمومي بالمنع ينطلقون من مبدأ “حرية الإبداع” وكذا “الحق في الثقافة”، وهي بلا شكّ قيمٌ يتقاسمها الجميع من حيث المُنطلق، لكن في التفصيل قد يقع الخلاف والتباين.

المشكلة أن السلطة السياسية في بلادنا عاشت منذ الاستقلال على شرعيّة التاريخ والثورة، ما جعلها تعمدُ إلى توظيفه بشكل تعسّفي، عبر الاحتكار والتجزئة وحتّى التزوير أحيانًا، بما يعزّز سلطانها الشعبي، الأمر الذي ولّد ردّ فعل قويّ في الاتجاه المعاكس لتحرير التاريخ من الرؤية الرسميّة، لكن السؤال المطروح: هل معالجة التاريخ خارج المؤسسات الرسمية متحرّرة من الذاتيّة؟

الواقع يؤكد عكس ذلك، لأن الفنون غير محايدة ولا هي أدوات بيداغوجية مستقلّة، بل هي حمولاتٌ إيديولوجيّة وفكرية وثقافية، وحتّى ما يصطلح عليه بالقيم الكونية أو الإنسانية هي في النهاية تعبير عن ثقافة حضاريّة ومدنيّة ما، يفرضها، وفق نظرية “نهاية التاريخ” لفرانسيس فوكو ياما، المنتصر عالميّا.

ولذلك، عندما يُنتج الفنان عملاً سينمائيًّا أو يكتب الأديب رواية لتناول التاريخ، فليس بالضرورة أن يكون متجردا من ميوله الذاتية، بل العكس تماما هو الوارد، إذ أنّ السينما والأدب هما ميدان الأفكار الإيديولوجية بامتياز، وعليه حين يدافع السينمائي ومثله الروائي بشراسة عن حرية الإبداع، فهو في الحقيقة يرافع عن نفسه وعن قناعاته الخاصّة قبل كل شيء.

بل حتّى المؤرخ الباحث نفسه، عندما يتحزّب ويتأدلج، ضمن مفهوم المثقف الملتزم، يصبح شاهد زور في رواية فصول التاريخ، ما يقتضي دومًا التشديد من المختصين على التحلّي بالروح العلميّة والتزام قواعد المنهجية البحثيّة.

ما نريد قوله هو أنّ النضال الثقافي والإعلامي لتحرير التاريخ والفن والثقافة من التوظيف السياسوي للسلطة ينبغي أن لا يُسقطنا في فخّ “التوظيف المضاد” باسم الإبداع، في إطار تصفية الحسابات الإيديولوجية والسياسيّة والجهوية الضيقة.

وبالتالي لا يمكن كتابة التاريخ على مقاس السلطة السياسية ولا وفق هوى اليسار، ولا حسب نزوات اليمين الليبرالي، ولا بناء على أحلام الانفصالييّن، بل على هؤلاء جميعا ترك التاريخ للمؤرخين الفعليين.

لقد صار التاريخ اليوم، في عصر الانفجار التكنولوجي الرهيب لوسائل الاتصال الحديثة، سلاحًا فتّاكًا، مثلما غدت فصوله المتناثرة قنابل موقوتة، وجب على النخب الواعية إدراك خطرها على عقول الأجيال الناشئة وذاكرتها الفتيّة، لأنّ البعض من الجاهلين أو المتربّصين يريد أن يقدم التاريخ، وهو في الأصل فعل بشري وحضاري تراكمي، في صورة وقائع مجزّأة ومبتورة، للنيل من المُنجَز الثوري الأسطوري للشعب الجزائري والإساءة لرموزه الخالدة من أبطال الحركة الوطنية البواسل.

مقالات ذات صلة