الرأي

بهلوانٌ في سيرك سياسي

تذهب الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها الخارجية إلى أبعد نقطة في قفزة بهلوانية لا يجيدها إلا لاعبٌ في السيرك العالمي السياسي القادر على تخطي المرور بمراحل الانتقال المنطقي في مشهد فرجوي يثير إعجاب المتفرجين وينمي لديهم حاسة الرعب، فهي تبدو وكأنها في سباق مع الزمن من أجل الوصول إلى اللحظة النهائية لتركيع العالم أجمع غير عابئة بعراقيل التعارض مع منطقها الذي لم يجد له مكانا في ثقافة الشعوب المعاصرة واعتادت حسم قضاياها الدولية المعلقة بضربة فنية قاضية تتعارض مع مبادئ العرف السياسي ..
ومسودة قرار مجلس الأمن الدولي التي تعلقت بالعقوبات التي فُرضت على كوريا الشمالية منذ الإعلان عن القيام بتجربتها النووية تغيرت مرات عديدة على يد محرر النص الأمريكي وهي تكشف عن الروح البهلوانية الأمريكية السابحة في الفضاء السياسي المفتوح، فواشنطن اتجهت كعادتها إلى انتزاع شرعية دولية لاستخدام القوة العسكرية ضد حكومة “بيونغ يانغ” وكأنها لا تدرك مخاطر استخدام هذه القوة في قارة آسيا التي تغفو فوق أرض نووية.. فاضطرت أمام ضغط صيني وروسي إلى اقتراح عقوبات غير عسكرية ورغم ذلك فإنها ضمنت مسودة العقوبات عبارة تنص على أن “أي عمل عسكري يجب أن يحظى بقرار من مجلس الأمن”.
ومسودة العقوبات الأمريكية التي أخذت شكلها القانوني رسمت حدودا شاسعة في المسودة الجديدة وهي تفرض عقوبات تتراوح ما بين اقتصادية ودبلوماسية وغيرها لكنها اضطرت إلى تقليص مسودة القرار الداعية إلى فرض عقوبات شاملة على الأسلحة لتشمل الأسلحة الثقيلة فقط.
ومبدأ القوة هو مبدأ أمريكي معاصر تجد إدارة البيت الأبيض ألف عذر وعذر لتنفيذه أو تحقيق مبررات تنفيذه وأعضاء مجلس الأمن الدولي فشلوا في التوصل إلى اتفاق بشأن مسودة سابقة طالبت بتبني مبدإ استخدام القوة العسكرية لضمان تطبيق العقوبات وكذلك تفتيش كافة الشحنات الداخلة والخارجة من كوريا الشمالية.
وووصلت المسودة المتغيرة بلغة عقوباتها إلى وضعها النهائي وكأنها شذبت إلى حد بعيد العنجهية الأمريكية ووضعت حدا لممارساتها البهلوانية فالقائمة الأمريكية في نظام العقوبات الدولي كانت أكبر مما تظن الصين أو تظن روسيا.
لكن القوة الأمريكية رغم تشذيبها بلمسات صينية- روسية ظلت القوة المطلقة المهيمنة على العالم؛ فالعقوبات جعلتها أمريكا ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما يعني أن العقوبات تُنفذ بشكل إجباري من قبل كل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة بما فيها الصين الشعبية وروسيا الفدرالية، فأي زاوية من نوعها حوصرت فيها بيونغ يانغ؟

مقالات ذات صلة