الرأي

بومارطو 2.. المهزلة!

رشيد ولد بوسيافة
  • 2298
  • 8

في الوقت الذي تسود حالة انسداد خطيرة داخل المجلس الشعبي الوطني بانقسامه إلى معسكرين أحدهما يطلب رأس السعيد بوحجة، والآخر يرفض منطق هذا التكتل الغريب بين نواب الموالاة ضد واحد منهم، في هذا الوقت تطفو على سطح الأحداث قضية أطلق عليها البعض اسم “بومارطو 2” بطلها شخص أراد تحطيم تمثال عين الفوارة مرة أخرى…
أن يقوم شابٌّ بتحطيم تمثال امرأة عارية وسط مدينة سطيف أمر يثير الاستغراب لأن مشاكل البلاد أكبر بكثير من هذه الصخرة المنحوتة بشكل قد لا يقبل به البعض، لكن أن يتحول الموضوع إلى قضية جوهرية تخصص لها الحكومة ميزانية ضخمة وتتعامل معها بكل جدية فهذا هو الذي يثير الاستغراب.
ما القيمة الحضارية التي يمثلها التمثال العاري حتى يستنفر وزير الثقافة عز الدين ميهوبي وزارته ويتدخل هو شخصيا في كل مرة ليذود عن هذه الصخرة ويتهم الأصوات المنادية بنقلها إلى المتحف بـ”الرجعية”؟
الوزير الشاب الذي يدافع بشراسة عن هذا التمثال العاري الذي يقابل المسجد العتيق لم يتطوع ويشرح للرأي العام القيمة الفنية والتاريخية التي يمثلها هذا التمثال؟ وما الخلفيات التي جعلت الإدارة الاستعمارية حينها تقوم بنصب تمثال لامرأة عارية مقابل المسجد تماما؟ ولم يعط الوزير إجابة عن الرواية التي يرددها البعض من أن الخلفية الأساسية لوجود هذا التمثال هو استفزاز المصلين في المسجد المقابل.
المعضلة الكبرى في هذا الموضوع، أن الكثير من المعالم الأثرية القديمة التي تخلِّد تاريخ الجزائريين مهملة وتتعرض للنهب والتخريب يوميا مع أنها تحمل قيما فنية وفي بعض الأحيان تكون مرتعا للمنحرفين، ولم يتحرك المسؤولون لإيقاف هذه المهازل وإعادة الاعتبار لهذه المواقع الأثرية بتنظيفها وحراستها وتنظيم جولات سياحية وتربوية إليها.
صحيحٌ أن الحملات التي أطلقتها الكثير من الأوساط ضد هذا التمثال لا يمكن وضعُها إلا في سياق الاهتمام بالقضايا الهامشية على حساب القضايا الجوهرية، حتى أن أحدهم حرَّم الماء المنبعث من النافورة في أسفل التمثال، لكن رد الفعل الرسمي كذلك أخذ طابعا أكثر تطرفا حين أصبح يتعامل مع هذا التمثال وكأنه “أبو الهول ـ الجزائر” وبات كل من يقول كلمة يهوِّن فيها من عين الفوارة، وكأنه دعا إلى طمس تاريخ الجزائر.

مقالات ذات صلة