-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
محمد السعيد يرد على عبد اللطيف الفيلالي الوزير الأول المغربي الأسبق 3/3

بومدين، بوتفليقة و طالب

محمد السعيد
  • 20831
  • 0
بومدين، بوتفليقة و طالب
عبد اللطيف فيلالي الوزير الأول المغربي الاسبق

ينتقد الكاتب بأسمائها ثلاث شخصيات قيادية: بومدين وبوتفليقة، وأحمد طالب. فبومدين وبوتفليقة كانا يطمحان إلى أن يجعلا من الجزائر” سيدة المنطقة” ( ص 115 ) ولذلك” وضعا نفسيهما في خدمة فرانكو في قضية الصحراء” وهنا نتساءل تصحيحا لزيغ البصيرة: هل حاولت الجزائر يوما توسيع حدودها حتى تلصق بها تهم السيطرة والهيمنة؟ وهل من المعقول أن يكون الشخص الذي يسخر نفسه لخدمة الجنرال فرانكو، يحتضن في ذات الوقت، فوق أراضيه حركة معارضة للنظام الاسباني؟

  • أما طالب الابراهيمى، فيثير استغراب صاحبنا إذ يقول عنه: “هل تتصورون أحمد طالب الابراهيمي الذي كان والده مفكرا جزائريا كبيرا وصديقا لمحمد الخامس يتخذ الموقف الذي اتخذه فيما يتعلق بعلاقات المغرب مع اسبانيا؟” (ص 122) إلا أن بوتفليقة هو الذي يؤلم أكثر من غيره لأنه “ما زال يلعب الورقة المعادية للمغرب”(ص 122) و”يجدد تسليح الجيش الجزائري حتى تصبح الجزائر القوة الأولى في شمال افريقيا”(ص 131). وتبعا لذلك يخاطب الكاتب القارئ: “كيف يمكن للمغرب أن يعيش في مغرب عربي مع رئيس دولة ينحصر همه منذ أن عرفته في تدمير المغرب الذي ولد فيه ونشأ فيه؟ (ص 129).
  • وهكذا يلام بومدين وبوتفليقة على نزعتهما المفترضة إلى الهيمنة، ويضاف إلى بوتفليقة بحكم مولده المزعوم نكران الجميل الذي يتقاسمه مع أحمد طالب المتهم بدوره بالتنكر لصداقة والده مع محمد الخامس، وكان عليهما في نظر المؤلف أن يخدما صاحب الجلالة حتى لو أدى بهما الأمر إلى خيانة الوطن. بهذا المنطق، هل كان الفيلالي ليشكك في إخلاص ابني الزعيم علال الفاسي للمملكة وهما المولودين في القاهرة يوم بلغت العلاقات المتوترة بين مصر والمغرب القطيعة في الستينيات؟ مهلا، مهلا.. لا أحد يستطيع أن يلوم الجزائر أو يحاسبها لأنها تطالب بدور إقليمي مشروع. انّ هذا الدور دورها الذي تمليه عليها إمكاناتها وقدراتها، واتساع رقعتها ونظرتها إلى تاريخها وموقعها الجيوستراتيجي الذي لا يمكن القفز فوقه في أي عمل مغاربي أو متوسطي، أو إفريقي، على أن هناك فرقا شاسعا بين سياسة القوة والعظمة التي يجب أن نكون عليها وسياسة الاستعلاء والكبرياء التي ليست من أخلاقنا. ذلك هو قدرنا الذي نعتز به في موقع نحسد عليه، ألم يكن يحلو للحسن الثاني القول: “إنّ الجغرافيا هي المكون الثابت الوحيد للتاريخ؟” (01)            
  • نعود إلى نغمة المولد المزعوم ليس هناك من يستطيع اختيار مكان ولادته أو ينكر أنّ الجينات الوراثية تنتقل بالدم وليس عن طريق التربة، وبما أنّ صاحبنا درس الحقوق فهو بدون شك قادر على التمييز بين المصطلحين اللاتينيين “حقّ الدم” و”حقّ الأرض”.    
  • اذا كان جزائريون ولدوا في الخارج اضطرارا فذلك في حد ذاته يعدّ من نتائج النظام الاستعماري الذي أرغم آباءنا وأجدادنا على الفرار من جحيم القمع والاستقرار بعيدا إلى حين زوال الكابوس. وكثيرا من هؤلاء عينوا بفضل كفاءاتهم في مناصب هامة في دواليب الدولة في المغرب والمشرق ويذكر الكاتب اثنين منهم في المغرب وهما معمري والمقري.            
  • أما فيما يتعلق بالصداقة التي نشأت بين الشيخ البشير الابراهيمي والملك محمد الخامس فإنّك يا السيد الفيلالي لا تذكر شيئا عن مصدر وسبب هذه الصداقة، ولا أخالك هنا إلا متعمدا هذا السهو، إن هذه الصداقة لم تكن تلقائية عفوية، وانّما تولدت عن تلك المواقف التي اتّخذها الشيخ البشير الابراهيمي ضدّ إقدام السلطات الاستعمارية سنة 1953 على خلع الملك ونفيه الى الخارج، وهي مواقف لم يكن صاحبها ينتظر جزاء ولا شكورا عليها لأنها تعبر عن تضامن الشعب الجزائري مع شقيقه الشعب المغربي في محنة ملكه المخلوع. 
  • وقد ساهمت مقالات الشيخ المنشورة في جريدة البصائر في إعطاء مزيد من الشجاعة والعزم للمناضلين المغاربة الذين كانوا يروجون لها في السر، حتى لا تثير انتباه الشرطة.
  • إنها مواقف تزداد سموا عندما نعلم أن قدم الشيخ البشير الابراهيمي لم تطأ أرض المملكة إلى أن توفاه الله سنة 1965.
  • ولسنا ندري أي الوصفين أصدق: نكران الجميل أوالنسيان لنطلقه على ما ذهب اليه الملك الحسن الثاني في كتابيه: “التحدي” و”ذاكرة ملك” من تجاهل لهذه المقالات ولموجة تضامن العالم الإسلامي مع عائلته، في حين “أشاد بالفرنسيين الذين تعاطفوا مع والده في محنته” (02)
  • و هناك في هذا المقام حقيقة تاريخية قلّ من يعرفها كشف عنها الفيلالي مشكورا وهي أنّ الفضل في اعتلاء الملك محمد الخامس العرش خلفا لوالده مولاي يوسف يعود إلى شخصيتين جزائريتين، يذكرهما الفيلالي في الصفحة 41 “إن شخصيتين ستلعبان دورا حاسما في مسألة الخلافة عقب وفاة السلطان مولاي يوسف وهما المقري ومعمري، جزائريان وفيان للحاكم الفرنسي ومستشاران لدى مولاي يوسف. وهذا الأخير ترك أربعة أولاد كان أصغرهم سنّا محمد البالغ من العمر 18 سنة ولم يستغرق الوقت طويلا لأنّ المقري ومعمري اختارا الشاب “محمد بن يوسف” على اعتبار أنّه لن يثير أي مشكل لعدم فهمه للشأن العام. وهكذا أصبح محمد بن يوسف في 18 نوفمبر 1927 سلطانا على المغرب.
  • واعترف بأنني لم أسمع في حياتي من أثار هذه الواقعة افتخارا أو امتنانا، كما لم يرتفع أي صوت عندما كانت العلاقات متوترة بين الجزائر والمغرب ليذكر بفضل الرجلين على القصر، ولولاهما لما أصبح رجال هذا القصر شيئا يذكر في التاريخ.
  • نستطيع أن ندرك اليوم بشكل أفضل بعد مطالعة كتاب الوزير الأول المغربي، أحد أسباب تأخر بناء المغرب العربي منذ استقلال أعضائه، ولماذا تظل العلاقات الجزائرية المغربية متوتّرة يغذيها استمرار فصل الشعبين بحدود بريّة مغلقة واستفحال أزمة الثقة بين عاصمتي البلدين. لقد تكشّف ما تحت الوشم حين أسرّ الكاتب بأنّ المملكة “اختارت دوما، ومنذ زمن بعيد، السير على الخط شمال جنوب، بدل الخطّ شرق مشرق”(ص 168) أي أنّ الأولوية في سياستها الخارجية تعطيها لتوطيد علاقاتها مع أوروبا على حساب علاقاتها الأفقية مع بلدان المغرب والمشرق. ومثل هذا الاعتراف الصريح الذي يصدر لأول مرة على لسان مسؤول مغربي رفيع المستوى، يساعد على استنتاج حقيقتين اثنتين: الأولى أنّ مشاركة المملكة في الاجتماعات المغاربية أو في المساعي الوحدوية لم تكن سوى للتستّر على حقيقة قناعاتها، أما الحقيقة الثانية فهي أنّ افتعال الأزمات والمشاكل الحدودية غايته الإبقاء على حالة التشرذم والتجزئة في المنطقة.            
  • فليس من موجب للدهشة إذن أن يشعر أصحاب هذه النزعة الشوفينية بالضيق إزاء جيرانهم، ولا يرون فيهم إلا المساوئ : البوليزاريو “مرتزقة” الجزائريون “غير جديرين بالمعاشرة”تونس “بلد الخوف الذي لم يعد فيه الناس قادرين على الكلام” (ص 129)، والقذافي في السلطة منذ أكثر من ثلاثين سنة، هذا غير ممكن” (نفس الصفحة).
  • قد نجد تفسيرا عاطفيا لهذا الشحن ضد الجزائر في شعور الكاتب بالمرارة، وهو يغادر الساحة السياسية في خريف العمر دون ترك اثر في التاريخ، وكأنه لم يكن، والأمثلة على هذا الفشل كثيرة: طرد النظام المغربي من منظمة الوحدة الإفريقية، مما احكم عزلته في القارة السمراء، رفض طلب انضمامه إلى السوق الأوروبية المشتركة مما نسف “خط السير شمال جنوب” الذي اختاره، إقفال الحدود البرية مع الجزائر، مما زاد في التوترات الاجتماعية الداخلية، التخبط في وحل الصحراء الغربية، مما ورط النظام في طريق مسدود…            
  • وماذا يقترح الفيلالي لتجاوز الأوضاع الراهنة؟ في جعبته ثلاثة اقتراحات وهي: التعنّت، والدمقرطة، والأخد بالمثل الأوروبي في البناء الوحدوي: فأما التعنّت، فنجده في دعوة بلاده إلى البقاء في الصحراء الغربية، أي الإبقاء على حالة التوتر والحرب واحتمالات التدخل الأجنبي على حدودنا الغربية، وأما الأخذ بالديمقراطية، فيري فيه تلبية لحاجة الشعوب، واستجابة لمنطق العصر، لكنه لا يفصح عما إذا كان التداول على السلطة يشمل أيضا العروش التي تحكم باسم صلة الدم، والصمت هنا لا يخلو من مغزى.          
  • و بما أن الفيلالي يحثّ في اقتراحه الثالث على الاقتداء بـ “الأوروبيين الذين لم يكونوا يتوفرون على ما نتوفر عليه، نحن المغاربة من أسباب الوحدة” (ص 128)، فان دراسة هذه التجربة تبين أن الوحدة الأوروبية بناها رجال عرفوا كيف يتغلبون على أحقاد الماضي. فالجنرال ديغول والمستثار ادينوار انجزا المصالحة الألمانية الفرنسية سنة 1963، وبعدهما بثلاثة عقود أعاد المستشار هلموت كول توحيد شطري المانيا، وقبل من اجل ذلك بحدود “اودير نايس” مع بولونيا، ولم يذعن لضغوط اليمين المتطرف الذي يطالب بأراضي الرايخ الكبير، لقد خاطر كول بمستقبله السياسي، اذ كان عليه أن يتنازل عن مائة ألف كلم مربعة لصالح بولونيا، ولكنه لم يضح بأبناء وطنه الذين نزحوا من “سيليزيا” وتشيكسلوفيا سنة 1945 فهم اليوم مواطنون يتمتعون بالحقوق كافة في الفضاء الأوروبي، وينتقلون في أرجائه بحرية ودون جواز سفر أو قيود جمركية ويستطيعون الإقامة في أي بقعة من هذا الفضاء بما فيها تلك الأراضي التي كانت موضع نزاع قبل قيام الاتحاد الأوروبي.
  • وبذلك شكل هذا الانجاز الموحد حلا للعداوة التاريخية الفرنسية الألمانية ومحورا للاستقرار والسلم في أوروبا، ولأنّ هذا المثال محط إعجاب السيد الفيلالي، فأملنا أن يقتدي به في حلّ النزاع المغربي الصحراوي في الصحراء الغربية، ولكن حذار!… إن ألمانيا، كما أرادها بيسمارك أو تصورها هتلر، لن تعود أبدا إلى أوروبا وإلا انهار كلّ شيء، فعلى جيراننا أن يتحلوا بالحكمة والواقعية للتسليم بأن مملكةالمغرب الكبيرهي الأخرى تنتمي إلى ماض ولىّ إلى غير رجعة.
  • علينا إذن نحن المغاربة، أن نبحث عن مقاربة جديدة تتعدى الاعتبارات الوجدانية والهبّات العاطفية الموسمية، وتخاطب عقول الشباب الذين يعيشوا مرحلة الكفاح الوطني ولا تستهويهم شعاراتها، نحن في حاجة إلى تخليص النظرة الوحدوية من النظرة الوحدانية الضيقة، حتى لا نبقى على هامش حركة التاريخ نثخن بعضنا بعضا بالجراح، ان بناء المستقبل المشترك في حاجة إلى رجال مبادئ وقناعات، لا إلى رجال ظروف ومناسبات، لاستغلال التاريخ بالشكل الأفضل الذي يخدم مصالح شعوبنا بكل حرية وديمقراطية من بنغازي إلى نواقشط، ويمنحها الكلمة أسوة الاتحاد الأوروبي.
  • هنا فقط، يكون كتاب عبد اللطيف الفيلالي قد ساهم على الأقلّ في إعادة فتح النقاش حول مصير المغرب العربي، والتفكير فيه بعقلية جديدة تترك جانبا مفرقعات ومطبّات الماضي.
  • (01)
  • Erie LAURENT: Hassen 2: Mémoire d’un roi P 143 -PlOn  Paris 1993
  • (02)
  • أحمد طالب الابراهيمي ـ مذكرات جزائري ص 56 ـ الجزء الأول ـ دار القصبة للنشر ـ الجزائر 2006
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!