الرأي

بومدين.. وانقراض الشهود!

جمال لعلامي
  • 1277
  • 9
ح.م

عادت ذكر رحيل الرئيس الراحل، هواري بومدين، لتصطدم بما يشبه “انقراض” شهود العيان والمرافقين وأمناء السرّ والعلب السوداء، ممّن بإمكانهم ويحقّ لهم أن ينقلوا أسرار الرجل وخبايا مسيرته وخفايا حياته إلى غاية وفاته، ولعلّ هذا الانقراض، هو ضربة موجعة، إن لم تكن قاصمة لتأريخ الأحداث، وربط الجيل الأول بالجيل الجديد، الذي لا يعرف الكثير عن الزعماء وصانعي أمجاد الثورة والتاريخ والاستقلال!
حتى المؤرخين، صمتوا، أو جفّت أقلامهم، ببساطة لأنهم لم يعودوا يجدون ما يكتبون وينقلون من شهادات و”اعترافات” حية، ولعلّ مصيبة كتابة التاريخ، أن أغلب الروايات والشهادات، أصبحت مكرّرة، ونسخ طبق الأصل، عن نسخ قديمة تداولتها الألسن وتناقلتها الكتب والمجلدات والروايات، وعُرضت هنا وهناك في صالونات كتب التاريخ!
الطامة الكبرى، هي سلخ المنظومة التربوية مثلا عن صنع التاريخ، سواء بالحقّ أو الباطل، فبربّكم، كم عدد التلاميذ في الابتدائي، والمتوسط، وحتى في الثانوي، وربما في الجامعة أيضا، الذين إذا سألتهم عن بومدين وأمثاله، سيجيبون بسرعة، ويعرّفونه مثلما ينبغي تعريفه؟
هذه هي مصيبة المصائب، المدرسة لا تدرّس لأبنائها التاريخ وصناعه، مثلما ينبغي، ولذلك لا غرابة إذا عرف “جيل الكيراتين” و”الواي واي” أمثال رونالدو وديكابريو وشوازرنيغر والشاب الفلاني والشابة الفلانية، ولا يعرفون من صنع لهم التاريخ، ومن حماهم من الضياع، ومن شارك في تغيير مجرى الأحداث، وهذه طبعا مسؤولية تشاركية!
كم من وليّ يجمع أبناءه ليلة الفاتح نوفمبر المجيدة، ليروي لهم قصص الجهاد وأمجاد الثورة ومعارك الشهداء الأبرار؟.. كم من أستاذ يقصّ على تلامذته أروع القصص التي تكشف براعة وتضحيات شخصيات لا يمحوها النسيان والتناسي؟.. كم من طالب في الجامعة قرأ كتابا عن شخصية تاريخية أو ثورية أو سياسية صنعت الجدل والحدث؟
نعم، المشكلة جماعية: في المدرسة وفي البيت والمجتمع، في الإعلام وفي المساجد، في الجامعة والأساتذة والمؤرخين، في السياسيين والمسؤولين، في الأحزاب والباحثين، في الشخصيات المعنية نفسها، فجميعنا مشترك في دفن التاريخ أو تهميشه أو تزييفه أو تحريفه أو التلاعب ببعض تفاصيله وأسراره، ولا داعي هنا لتعداد النماذج، حتى نتجنب تقليب المواجع والجراح!
من يتفق مع بومدين، أو لا يتفق معه، فإن الذكرى تتطلب التوقف والوقوف والتذكـّر، وعلى هؤلاء وأولئك، أن يستذكروا كلّ الفاعلين السابقين منهم واللاحقين، الأحياء والأموات، ليس من باب التمجيد والتخليد، وربما التقديس، لكن من أجل بناء مستقبل متين ممسوك بحبال الماضي، التي لن تتمزّق إذا نال كلّ طرف حقه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله!

مقالات ذات صلة