الرأي

بومدين وقصة الجامع الكبير

الحديث عن شهرة المهندس المعماري البرازيلي أوسكار نميّر nemeiyer oscar من فضول القول، ولكني أريد أن أشير إلى بعض ملامح معماره. ولعل أوضحها هو انتماء طريقته إلى حركة ما يسمى بالأسلوب العالمي، وتحتل مكانة مرموقة في الهندسة المعمارية الحديثة. تجاوزت شهرته الآفاق بعد أن أنجز العاصمة الإدارية البرازيلية “برازيليا” التي دشنت في 21 أفريل 1960. والصلة بين نمّير والجزائر قديمة الأواصر تعود إلى فترة منفاه الاختياري في فرنسا بعد الحكم الديكتاتوري في بلاده. في باريس صمم عدة معالم منها مقر الحزب الشيوعي وجريدة ليمانيتي وساحة العقيد فابيان وبورصة العمل. وقد جمعته وشائج من الصداقة الحميمة مع العديد من رؤساء العالم منهم فيديل كاسترو وهيجو تشافييز وهواري بومدين الذي التقاه سنة 1974.

يقول أسكار نميّر: طلب بومدين لقائي، كان على اطلاع بعملي. وكان يحلم بمشاريع كبرى للبلد. أصبحنا صديقين، وأستطيع اليوم أن أقول إنه عرض عليّ حمايته خلال الفترة التي كنت فيها منفيا في أوروبا بسبب الديكتاتورية التي كانت في الحكم في بلادي. ذات مرة قال لي في مكتبه أوّد أن تصبح مستشاري في المسائل العمرانية.. أذكر أيضا الوزير محمد الصديق بن يحيى، إنه رجل رائع. لقد ساعدني ودعمني كثيرا. وجمعت بيننا ألفة وأصبحنا صديقين. كنا نلتقي كلّما أتيحت الفرصة، ونشعر بالكثير من المتعة. وللأسف فقد مات في حادث طائرة مروّع”.

ويمضي نمّير ليقول: “التقيت الرئيس بومدين عّدة مرات. كنا نتحدث في مواضيع شتى، وبالطبع عن المشاريع التي كانت تنجز، ومنها جامعة العلوم الانسانية والعلوم والتكنولوجية، وجامعة قسنطينة، والمدرسة المتعددة التقنيات للهندسة المعمارية، والقاعة المتعددة الرياضات بالمركب الاولمبي في العاصمة، والمركز المدني للعاصمة، ومخطط لإعادة تهيئة العاصمة أطلق عليه “مخطط الجزائر الجديدة.. فيما يتعلق بجامعة العلوم والتكنولوجية اختلفت مع الرئيس، لأن فكرتي لم تقبل، فلم أعد أهتم بالموضوع. وقد استحسنت كثيرا قبول بومدين لمشروع بناء جامع الجزائر الكبير. وكما هو في الغالب، فإن الأفكار يمكن أن تبرز بطريقة فجائية. ذات ليلة كنت أهمّ بالنوم حين خطر ببالي أن أرسم جامعا. عملت طول الليل في غرفة الفندق، وأنا في حالة غير طبيعية. وكانت النتيجة: جامع معلّق فوق البحر موصول ببنية فوقية باليابسة قرب شاطيء غير بعيد عن ميناء الجزائر. لقد صرحت فعلا في فيلم “مهندس معماري ملتزم بعصره.. إن بومدين لمّا أطلع على مخططات الجامع صاح فرحا: “إنه مسجد ثوري”. أجبته ضاحكا: “سيادة الرئيس الثورة لا يجب أن تتوقف، ينبغي أن تكون في كل مكان.. لم يسبق للرئيس بومدين أن شاهد جامعا كهذا. كان الأمر مفاجئا بالنسبة إليه. والحال أن هندستي المعمارية ترتكز على المفاجأة والدهشة. لقد دفعت بقوانين الفيزياء والمادة إلى أقصى الحدود، خالقا بذلك شيئا غير متوّقع. يمكنك مثلا أن تذهب إلى برازيليا تحبها أو لا تحبها، لكن لا تستطيع القول إنك شاهدت مثلها، والممكن كذلك أنك شاهدت أشياء أجمل منها، لكنك لا تستطيع أن تبقى فاقدا للحس. إن المفاجأة هي أسمى شيء في المعمار. وحتى الأشخاص البسطاء الذين لا يفقهون شيئا في المعمار يندهشون وهم يشاهدون كاتيدرالية برازيليا. ويتساءلون لماذا هذا البناء، إنهم يعيشون لحظات من الدهشة والاكتشاف. وهذا اللقاء بالنسبة إليّ شيء أساسي. لقد اندهش بومدين من مشروع جامع الجزائر. ورحيله العنيف هو التفسير الوحيد للتخلي عن بنائه وعن مشاريع أخرى”.

مقالات ذات صلة