-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين الجزائر والفييتنام

عثمان سعدي
  • 40
  • 0
بين الجزائر والفييتنام

عندما نتكلم عن الفييتناميين يتبادر فورا للأذهان أن القرن العشرين عرف أعظم ثورتين: ثورة الفييتنام وثورة الجزائر . بل إن القائد العسكري الفييتنامي (جياب) قائد معركة دين بيان فو العظيمة صرح لدى زيارته للجزائر بما يلي: “ثورة الجزائر أعظم من ثورة الفييتنام، لأن الجزائر تبعد عن فرنسا بسبعمائة كيلو متر فقط، بينما يبعد الفييتنام عن فرنسا بعشرة آلاف كيلومتر”.

أيّ ثورة لا يمكن أن تعتبر نفسها ناجحة إلا إذا حققت هدفين: تحرير الأرض، وتحرير الذات. ثورة الفييتنام حققتهما الاثنين : حررت الأرض وحررت الذات بفرض سيادة اللغة الفييتنامية على الحياة الفييتنامية، وإلغاء اللغة الفرنسية التي سيطرت على الفييتنام ثلاثا وثمانين سنة والقضاء على الرواسب التي خلّفتها في الذات الفييتنامية، واعتماد اللغة الإنجلبزبة كلغة أجنبية؛ وذلك انطلاقا من وصايا قائد الفيينتام العظيم (هو شي مينه) عندما قال موجها كلامه لمواطنيه: “حافظوا على صفاء اللغة الفييتنامية كما تحافظون على صفاء عيونكم“.  قادة الفييتنام بحسنون الفرنسية، هو شي مينه عاش بفرنسا سنوات  كان يحسن الفرنسية وكان عضوا في البرلمان الفرنسي، القائد العسكري جياب الذي توفي شهر اكتوبر 2013 خريج المدارس الفرنسية وأستاذ للتاريخ بالفرنسية قبل استقلال الفييتنام يتقن الفرنسية لكنهم تخلوا عنها وثبّتوا لغتهم.

لكن الثورة الجزائرية التي انطلقت جزائرية صافية في سنواتها الثلاث الأولى، باللغة الوطنية، حيث تأسس جيش التحرير الوطني من عنصرين: الفلاحين كجنود مؤطّرين بطلاب اللغة العربية. وبعد ثمانية عشر شهرا من اندلاع الثورة قرر طلاب المدارس الفرنسية ترك الدراسة والالتحاق بالثورة، التحقوا بالحكومة المؤقتة قي القاهرة فكوّنوا نواة إدارة الدولة الجزائرية بالقاهرة باللغة الفرنسية، ولم يفكروا في تعلم اللغة العربية فتعلموا اللغة الإنجليزية وهم في القاهرة. وحولوا الثورة الجزائرية من ثورة شعبية إلى ثورة فرنكفونية، وتوّجوا انحرافهم اللغوي بتوقيع اتفاقيات إيفيان بنص واحد وهو النص الفرنسي الذي مثل الوفدين. بينما وقع الفييتناميون اتفاقية جنيف سنة 1954 التي أنهت الاستعمار الفرنسي بالفييتنام بنصين فييتنامي مثل الوفد الفييتنامي وفرنسي مثل الوفد الفرنسي. ثم دخلوا الجزائر في مارس آذار 1962 فأسسوا الدولة الفرنكفونية التي خانت شهداء الثورة وأفلست الجزائر اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.

قمت بمقارنة بين الفييتنام والجزائر سنة 2011 فوجدت أن الفييتنام بالفتنمة صدّر خارج المحروقات مواد زراعية وصناعية بما قيمته أربعة وثلاثون (34) مليار دولار، بينما صدرت الجزائر بالفرنسة خارج المحروقات بما قيمته ملياران أي (2 مليار) دولار جلها موادها الأولية مستوردة بالعملة الصعبة مثل الزيت والسكر والخردة. وأي بلد يقاس بما ينتج وليس كيف ينطق الراء غينا. في الوقت الذي يردد فيه مسؤولون جزائريون مفتخرين بالفرْنسة المقولة المشؤومة لكاتب ياسينالفرنسية غنيمة حرب، يقول نغويين فان هوين: “إن اللغة الفييتنامية ساهمت في انتصار الثورة ورافقتها وكبرت معها“.

لنأخذ الدرس من الفييتنام ، لم يحدثنا التاريخ أبدا أن بلدا نجحت به تنمية اقتصادية واجتماعية بلغة أجنبية، اليابان ، كوريا، أندنوسيا، الصين، نمور آسيا، نجحت التنمية عندهم بلغتهم. عندما استقلت الفييتنام كانت لغتها متواضعة، بحيث صاغ علماء اللغة ربع مليون مصطلح وكلمة وأدخلوها اللغة الفييتنامية في العشرين سنة الآولى للاستقلال (عن كتاب: اللغة الفييتنامية والتعليم العالي بالفييتنامية في الفييتنام الديموقراطية ــ هانوي، 1968)

ورثت الفييتنام سنة 1975 بلدا مدمرا من طرف الجيش الفرنسي والجيش الأمريكي، لكن إرادة القادة الفييتنامين وأصالتهم وتطبيق فتنمة لغوية شاملة وفورية جعل الفييتنام تصنف من نمور آسيا. حققوا اكتفاءا ذاتيا غذائيا وتعتبر من أكبر البلدان التي تصدر الأرز، وأقاموا صناعة متقدمة. وفي أثناء زيارتي للولايات المتحدة اشتريت بدلة فوجدتها مصنوعة في الفييتنام.   كل هذه الحقائق موجودة مفصلة في كتابي (اللغة والهوية بين الثورة الجزائرية والثورة الفييتنامية).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!