-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين الجزائر وفرنسا، نقاش حاد في طريق مسدود

عابد شارف
  • 4388
  • 3
بين الجزائر وفرنسا، نقاش حاد في طريق مسدود

هذا هو العائق الأساسي الذي يمنع الجزائر وفرنسا من إقامة علاقات جديدة: إنه الفارق المخيف الذي يفصل بين النظام السياسي الذي يحكم كلا منهما.

بعد التجربة المريرة التي عاشتها الجزائر مع كل من جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، تشكل زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند فرصة تنتظرها الجزائر لتنسى خيبة الماضي والطعنات في الظهر التي تلقاها الرئيس بوتفليقة. فقد كان الرئيس جاك شيراك قد أعطى وعودا بإقامة علاقات ممتازة بين البلدين، قبل أن يأتي قانون 23 فيفري الذي يمجد الاستعمار ليقضي على طموحات بوتفليقة وشيراك… ومع نيكولا ساركوزي، جاء وقت الثرثرة والكلام الفارغ والمشاريع الخيالية التي ذهبت أدراج الرياح، خاصة لما اختار ساركوزي أن يزايد على اليمين المتطرف لأغراض انتخابية، فجعل من الفرنسيين من أصل جزائري خاصة والمغاربة عامة أول عدو يجب أن تحاربه فرنسا

أما فرانسوا هولاند، فإن خطابه كان معتدلا، إنسانيا، يحترم الآخرين ويعطي عهودا من أجل إقامة علاقات عادية. وكان في الماضي يتبنى مواقف إنسانية كثيرا ما تتطابق مع مطالب الجزائر. وكان تعاطف الجزائر مع فرانسوا هولاند واضحا خلال الانتخابات الفرنسية، وكانت زيارته منتظرة فور فوزه بالانتخابات.

ورغم كل هذا، لا يمكن أن تؤدي زيارة السيد فرانسوا هولاند إلى نتائج تذكر، رغم الإرادة التي يبديها الطرفان، ورغم عزمهما على تطوير العلاقات بين البلدين. لماذا لا يمكن أن تؤدي الزيارة إلى التغيير المنتظر؟

كان التخوف يتعلق بالماضي الاستعماري الفرنسي، حيث كانت أطراف كثيرة في الجزائر تطالب فرنسا بالتوبة، وتعتبر ذلك شرطا أساسيا لإقامة علاقات ودية. ورغم أن لا أحد في الحكومة الجزائرية تكلم عن هذا المطلب، فإن أطرافا كثيرة كانت تزايد في الموضوع، مما أثار ردا من الطرف الفرنسي الذي أصبح يعتبر ذلك إهانة. لكن يبدو أن الطرفين تجاوزا هذه العقبة، ولن تكون قضية التاريخ حاجزا في العلاقات بين البلدين.

ولا تشكل أطماع الشركات الفرنسية التي تريد نصيبها من الغنيمة، لا تشكل حاجزا طالما أن الجميع أصبح يعتبر احتياط الجزائر من العملة الصعبة غنيمة للجميع، مادامت الجزائر تثير أطماع الجميع بسبب سوء التسيير والتبذير والفساد الذي يسيطر على المعاملات الاقتصادية في البلاد.

إن المشكل الأساسي الذي يمنع تطور العلاقات الجزائرية الفرنسية يتمثل في الاختلاف الجذري بين النظام السياسي والاقتصادي الذي يحكم الجزائر والنظام الذي يحكم فرنسا. وإذا نظرنا إلى هذا الجانب، نجد أن فرنسا بلد عصري، يعمل وفق قواعد واضحة، وله دور أساسي في بناء أوربا. ويتم تعيين قادته وفق عمليات شفافة تحترمها كل الأطراف، ولا يمكن الخروج عنها. ويبقى هذا النظام ينظر دائما إلى الأمام، نحو المستقبل، في محاولة مستمرة لتحضير البلاد لتحديات السنوات والعشريات القادمة. أما النظام الاقتصادي الفرنسي، فإنه قوي في تنظيمه، يتميز باستقلالية شبه تامة عن المسؤولين السياسيين، وليس لهؤلاء دور إلا لمساندة الاستثمار، دون فرض رقابة قاتلة على المؤسسات. وفي هذا النظام، يستطيع كل طرف أن يدافع عن مصالحه بكل شفافية وحرية، ويستطيع صاحب المؤسسة، خاصة كانت أو عامة، أن يبرم الاتفاقيات التي تخدم مصالحه، دون أن تأتيه الأوامر من الوزارة أو الرقابة.

أما النظام الجزائري، فإنه مبني على قواعد بالية، ينظر إلى الماضي، ويحلل العالم وفق قواعد كانت موجودة قبل عقود طويلة. وفي هذا النظام، يفكر الحاكم أساسا في الحفاظ على منصبه، دون تحضير البلاد لتحديات المستقبل. ويعتبر الحاكم أن دور المؤسسات الاقتصادية يقتصر على تطبيق قراراته، والاكتفاء بأوامره في كل كبيرة وصغيرة. وليس للمؤسسات الاقتصادية أن تبادر وتدخل السوق وتنافس غيرها، لكن عليها أن تقوم بما يضمن طمأنينة الحاكم واستقرار سلطانه.

وفي فرنسا، يوجد رجل عصري، على رأس نظام يحاول أن يصنع أوربا الجديدة، ويضمن مكانا لائقا لبلاده في هذا العالم المتقلب الذي يتميز بظهور الصين والقوى الاقتصادية الجديدة. أما في الجزائر، فإن الحاكم هو نفسه الذي كان في السلطة أيام كينيدي وخروتشاف، ولم يدرك أن ذلك العهد مضى منذ ثلاثة قرون، قرن سقوط جدار برلين، وقرن 11 سبتمبر، وقرن وصول الصين التي أصبحت ثاني قوة اقتصادية في العالم.

هذا هو العائق الأساسي الذي يمنع الجزائر وفرنسا من إقامة علاقات جديدة: إنه الفارق المخيف الذي يفصل بين النظام السياسي الذي يحكم كلا منهما. وتكون نتيجة هذا الوضع أن الجزائر وفرنسا لا تتكلمان نفس اللغة، ولا يمكنهما دخول مسالك جديدة ميدان التعاون. أما الاتفاقيات التي من الممكن أن يتوصل إليها الطرفان، فإنها ستؤدي فقط إلى تحويل جزء من خزينة الجزائر إلى فرنسا، وهذا شيء عادي ومعتاد، لم يتغير عبر العصور

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • redahd

    العلاقة بين الجزائر وفرنسا علاقة ("الحلال والحرام ) (الشر و الخير ) (الحق و الباطل ). لكن في الحقيقة هي علاقة الاب و الابن يا اخي .انا انسان واقعي و شكرا

  • بدون اسم

    J'ai beaucoup ri sur votre comparaison avec le temps de Kennedy et...Et en même temps je voyais votre clairvoyance...on a bien un ministre qui nouis vient du MALG (l'âge de pierre) et un autre qui croit que les souks el fellah sont le meilleur moyen de réguler le marché. Il faut dire que nos gouvernants sont dépassés et par le temps et par la succession des événements mondiaux...rabi idjib el kheir

  • امازيغية حرة

    علاقة الجزائر مع فرنسا لا تحتاح لكل هذا التحليل العميق مع اعتذاري للكاتب فهذه العلاقة هي علاقة مشاعر تدخل في خانة العشق الممنوع ايام الجاهلية واستقبال الجزائر لهولاند هو اشبه باستقبال قبيلة عنتر لقبيلةعبلة والدليل احصنة عربية اصيلة تبدلها شيوخ القبيلتين الفرق بين عشق الجاهلية وعشق 2012 ان الاول كان في القصائد اما الثاني فكان امام عدسات الكاميرا...فبرلمان يصفق ..نساء تزغرد اعلام ترفرف وشعب يحتفل ..فاين عنتر ليصف هذا العشق في قصيدة