-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق العربي" تدخل قلعة تدمر بالشام

بين تدمر وزنوبيا قصة صنعت التاريخ

الشروق أونلاين
  • 8643
  • 0
بين تدمر وزنوبيا قصة صنعت التاريخ

يشدو شاعر العروبة سليمان العيسى على لسان أطفال المدارس وخلال رحلتهم إلى عروس الصحراء تدمر قائلا:ظلّي نشيدَ الدهر لا تكبري يا روعة الأجدادِ في تدمرزنوبيا، صوتُ الرمالِ التي تروي حكايات السنا الأخضرتقول للأجيالِ: إني هنا فيا سرايا الخالدين اعبري

الحقيقة أن هذه الأبيات، يمكن أن تعطي الصورة الحقيقية لحضارة تدمر، التي شكلت محطة بارزة في سفر التاريخ الإنساني وتقدم لنا أمهات كتب التاريخ عشرات الروايات عن حضارة تدمر وأهميتها، والبعض يختزلها بشخصية ملكتها “زنوبيا” والبعض الآخر يعتقد أنها تتجسد في قلعتها أو أعمدتها أو مسرحها، لكن الصحيح أن الحضارة التدمرية لا يمكن أن تكون إلا بكل ذلك مجتمعا، ويعود تاريخ مملكة تدمر إلى زمن الدولة البابلية (539 ق.م) وازدادت أهميتها في العصر السلوقي (312 ق.م). وبقيت تدمر مستقلة بعد احتلال الرومان لسورية (26 ق .م) ولم تخضع للرومان ومنحها الإمبراطور “هادريان” لقب المدينة الحرة. تتميز تدمر بموقعها الجغرافي الهام وسط البادية الشامية، مما جعلها ملتقى لقوافل التجارة بين الشرق والغرب ومؤولا لأبناء البادية، وأصبحت من الحواضر المهمة لتحكّمها بطرق التجارة ولوجود المياه الوفيرة فيها، مما جعلها واحة خضراء. وإذا كانت الحضارة التدمرية تشكل محطة بارزة بما تضمنته من ركائز أساسية، إلا أن اسم “زنوبيا” استطاع أن يختطف الجزء البارز من الحضارة التدمرية لأسباب كثيرة لسنا بصدد الحديث عنها، لكن الأكيد أنها كانت تستحق ذلك بجدارة.

زنوبيا عنوان العنفوان

يؤكد المؤرخ “برنار سيميوت”، الذي استطاع أن يؤرخ لتدمر وزنوبيا، أنها بنت عضو مجلس الشيوخ ورئيس قوافل التجار في الشام، واسمه “عمرو” وهو بدوي، وقد ورّث ابنته كل مواصفات البداوة من شهامة وعنفوان وعفة نفس، وكانت لها عدة أسماء (زينب ـ زنوبيا – الزباء – زبيدة) والواضح أنّ جميعها أسماء عربية، وإذا كان والدها ينتسب إلى البادية السورية، فإن والدتها التي توفيت عند ولادتها تنتسب إلى “كليوباترة– ملكة مصر” وتقول زنوبيا: في مدينتنا نسمع جميع اللغات ونستطيع التفاهم مع جميع الناطقين بها. وفي ذلك دليل واضح على قوة الحضارة التدمرية. تزوجت “زنوبيا” من ملك تدمر العربي الذي يكبرها بأربعين عاما “اذينة” الذي تقول عنه إن العظماء من الرجال كانوا يقفون يرتجفون أمامه ولا يستطيع أحد لفظ اسمه إلا بصوت منخفض، وأنجبت منه ابنهما “وهب – اللات”، بعد مقتل زوجها الإمبراطور “اذينة” آل الحكم لابنها الصغير وتولت هي الحكم نيابة عنه وحكمت البلاد بمنتهى القوة والحكمة واستطاعت أن تقود قومها إلى نهضة شاملة وقوة عسكرية طامحة، لقد كانت شجاعة بعيدة المطامح. لعبت دورا كبيرا في الشرق وفي روما ذاتها، وكانت عالية الثقافة تتكلم اللغة التدمرية وهي لغة آرامية، كما تتكلم اليونانية، وقربت منها الفلاسفة من أمثال لونجين وكانت مولعة بالتاريخ.

امتدت إمبراطوريتها من وادي الفرات إلى وادي النيل، واستطاعت مواجهة الإمبراطورية الرومانية حتى وقعت في الأسر، في يد الرومان عندما غزا “اورليان” مملكة تدمر. وجميع المصادر التاريخية تتفق على عظمة مملكة تدمر ودورها في الحضارة الإنسانية، حيث قدمت للبشرية الكثير من العلوم والفنون والثقافات وتذكر “زنوبيا” باحترام شديد المعلم السوري الذي علمها القراءة والكتابة واسمه “مولاق” ومدرس اللاتينية “كورنيليوس” ومعلم الإغريقية “اوليموس”. استطاعت زنوبيا أن تكسب ثقة زوجها الإمبراطور “اذينة”، وتتعلم كل فنون القيادة ودهاء الحكم، لكنها كانت تخشى من منافسة ابن زوجها “هيروديان” الذي لا بد أن يأخذ الحكم من ابنها الذي ما زال طفلا. وخلال احتفالات النصر العظيم وخلال عودته من حمص ليشارك شعب مملكته في الانتصارات التي حققها ينشب نزاع بين “اذينة” وابن أخيه “مايونيوس” ويعاجل الأخير “اذينة” بثلاث طعنات كانت كافية لتنهي تاريخ هذا الإمبراطور العظيم ويلتفت إلى ابنه “هيروديان” ويقتله إلى جانب أبيه، قبل أن يتمكن حراس الملك من القضاء على “مايونيوس” وبذلك يصبح الطريق مفتوحا أمام “زنوبيا” لتولي الحكم نيابة عن ابنها الطفل “وهب – اللات”. وتستمر في تحقيق الانتصارات وبناء مملكتها القوية، بالرغم من الصراعات والمؤامرات الداخلية التي كانت تتعرض لها من عملاء الداخل ممن كانوا يؤيدون أعداء مملكة تدمر من الفرس. وأمام هذا المجد الذي حققته زنوبيا وامتداد نفوذها وتهديدها للإمبراطورية الرومانية، استطاعت جيوش روما الانتصار عليها والقضاء على إحدى أهم الممالك العربية في التاريخ وتنهي أسطورة المرأة الفولاذية التي استطاعت أن تبني مجدا وحضارة لا يمكن أن تمحوها الأيام… وبكثير من الألم والعزة بالنفس، تصف زنوبيا مشهد أسرها ونقلها إلى روما، حيث كانت نساء تدمر تبصق في وجوه المنتصر وفي روما كانت معلمات الهوى يعطين أطفالهن بدون النسب الحجارة لرجمي وأنا تجرني عربة وسط شوارع روما كان الاحتقار والازدراء يجتاحني، فتنتفخ بطني. فلا أترك أثرا لخوف أو لمذلة لتشتفي منها عيون الحيوانات، لإهانة وجه عزيز مكلل بالافتفخار. وتتحدث عن مكان إقامتها الذي خصصه لها إمبراطور روما، وهي فيلا كبيرة مميزة جدا، وتكتب في غرفتها “السجن الفيلا” كلمات للتاريخ قائلة: أنا زنوبيا ملكة حلم الصحراء لمدة خمس سنوات، كنت أملك زمام قيادة الجيوش وأدير أقوى المعسكرات وجمعت من المهندسين والفلاسفة وسيّرتُ آلاف القوافل التجارية للعبور إلى البحر الأحمر والخليج العربي، وصككت النقود الذهبية باسمي وجعلتُ روما تعيش مجاعة لا مثيل لها عندما منعت عنها القمح المصري من الخروج من الاسكندرية إلى روما وامتدت حدود مملكتي تدمر من دلتا النيل في مصر إلى مضيق البوسفور، وها أنا الآن حبيسة غرفة تختصر كل تاريخي.

وتنتهي قصة هذه الملكة الأسطورة على يد الإمبراطور “أورليان”، وذكر أحد المؤرخين في عصره، أن الإمبراطور عندما جرح في حربه مع زنوبيا قال: إن الشعب الروماني يتحدث بسخرية عن حرب أشنها ضد امرأة، ولكنه لا يعرف مدى قوة شخصية هذه المرأة ومدى بسالتها..

قلعة تدمر


البعض يعتقد أن قلعة تدمر بنيت في عهد زنوبيا، لكن الحقيقة أنه لا يوجد أي رابط تاريخي بين القلعة وزنوبيا، لأن بين انتهاء حكم زنوبيا وبناء قلعة تدمر مئات السنين، وهذه القلعة عربية، بناها أسد الدين شيركو أحد أتباع صلاح الدين الأيوبي، وقام بترميمها فخر الدين المعني الثاني خلال (1595-1634م) وتتوضع القلعة على مرتفع المنطار (150م) وهو جبل غرب المدينة، مما أعطى القلعة جمالية متفردة، وخصوصا في ساعات الصباح الأولى والمساء عندما ترسل الشمس أشعتها الذهبية على أكتاف القلعة، وتحيط بها واحة جميلة من أشجار النخيل التي تشهد على حضارة سادت ثم بادت. تحتمي القلعة بخندق عظيم كما هو حال معظم القلاع العربية، حيث كان يملأ بالمياه لمنع وصول الغزاة وتحقيق المزيد من التحصين للقلعةن وترتبط القلعة مع الخارج بجسر متحرك يغلق عند غزو القلعة من قبل الأعداء، وتشير الوثائق التاريخية إلى أن جميع الحجارة التي بنيت منها القلعة جلبت من الخندق المحيط بها. والقلعة عبارة عن مدينة صغيرة متكاملة تتوفر فيها جميع مقومات الحياة تضمن صمودها في حال محاصرتها لفترة طويلة، وتحتوي على مستودعات كبيرة تخزن فيها جميع أنواع الأغذية واحتياجات سكان القلعة وحاميتها، ولكن لا توجد في القلعة أي فنون ترفيهية، لأنها بنيت وفق الميزات الأيوبية التي تغلب عليها الواقعية والبساطة، وهي ما زالت حتى اليوم تستقبل روادها من كل أنحاء العالم ليتعرفوا على حضارة فريدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • ابو عبدو الحلبي

    شغلة كويسة ان تحكوا عن تدمر لكن ليش ما بتحكوا عن قلعة حلب ...... تفضلوا الى حلب للحديث عن القلعة والكبب الحلبية والزعتر الحلبي وصابون الغار الحلبي ...

  • اسراء عبد القادر

    مشكور اخي محمود على هذه الاضاءة على تدمر عروس الصحراء . تحقيق مميز

  • سعيد مصطفى

    الحقيقة يجب ان نسجل هذا السبق الصحفي المميز للشروق العربي بانها تحدثت عن تدمر قبل وقوعها في يد الارهاب وهذه خطوة لم تسبقها اليها اي وسيلة اعلام لان الكل كان يتجاهل تدمر وبعد ان دمرت اصبحنا نبكي عليها.

  • عروس الصحراء

    اشكركم على هذا التحقيق الصحفي الذي جاء بوقته لتسليط الضوء على تدمر

  • عبير غفري

    اشكركم على هذا التحقيق عن تدمر نتمنى ان تعود لها الحرية

  • MOURAD

    c'est des ruines grec tous simplement et c'est une petite civilisation d'un village en plus il n y a aucune relation et rien avoir avec les arabes car dans cette période il y avait les khouroutou

  • فريد من الجزائر

    تدمر يخربها الان هولاكو العصر ...الاثار التاريخية يخربها هذه الايام دواعش القتل والاجرام ....حتى مسرحها الرائع قدم فيه اولئك القتلة مشهدية مروعة وبشعة حين قاموا باعدام مجموعة من جنود الجيش السوري ...والاغرب ان من بين قادة الجماعاة التي قامت بعملية الاعدام في حق ابطال سوريا هناك واحد شيشاني وواحد تونسي ....اللهم طهر سوريا كل سوريا زمعها تدمر من اجرام الارهابيين ...

  • billal

    مليح مواضيع كيما هكذا. merci