جواهر

بين مقلّدة متطرفة ومجددة متعجرفة

أماني أريس
  • 3202
  • 5
ح.م

لا تحتاج إلى خلل هرموني يبرز فيها ملامح الخشونة والقوة؛ أو إلى وباء قادم من وراء البحار يقوّض فطرتها فتبتدع لنفسها هواية رفع الأثقال. لتكسبها عضلات رياضية بارزة ويدا متورمة العروق مفرطحة، كل ما تحتاجه لتمارس ذلك، هو الوفاء لـ ” لتقاليد الأجداد”.

كل صباح بُعَيْدَ غدو أبنائها إلى دراستهم؛ تتجه إلى غرفتهم فترفع أربع مطارح من الصوف وتنقلها إلى غرفة أخرى، ليس هناك ما يعاب في هذا الفداء الشريف لامرأة تخدم بيتها بتفان وإخلاص، إنما العجب في أن تجدها تنحني لرفع المطرح فتنتفخ أوداجها ويتضخم شدقاها، في تحدٍّ لرفع الوزن الأول، وما إن تستوي به وقد نجحت في تحقيق توزانها الجسدي، حتى ترى ابتسامة عريضة بدت على محيّاها؛ وتلهج بكلام يقطعه لهاثها…

إنها سعيدة كل السعادة بوزن مطارحها الصوفية البالغ أكثر من ثلاثين كيلوغراما للواحد، والواقفة مثل العرص تتحدى عوامل الزمان!  وتحدّد لي بدقّة موقع دكّان الطرّاح الفذّ صاحب هذا الإنجاز الفريد، الذي ميّز مطارحها عن مطارح غريماتها، وتحذّرني من التخلّي على هذا الموروث الأصيل مثلما فعلت العديد من بنات هذا العصر “الخائبات”، وقبل أن تكمل كلامها غيّبتها نشوة العطاس المتكرر وقطعت عليها نشوة الحديث! تلك السّعيدة بشقائها بحاجة إلى من يقتلع فكرة تقديس مطرح الصوف العُرصيّ المتصلّب ذي الأربعين كيلوغراما والمسبّب للحساسية. ويقنعها بإيجابيات المطارح الخفيفة الصّحية الحانية على الضلوع. لكن هيهات!

ككلّ صراع بين التقليد والتجديد يغيب المنطق ويظهر التطرّف والتعجرف سيّدا الموقف في صراع “النسوة” أيضا، فإنني أرى أنّ من تضع ثقة عمياء في أفضلية نمط حياتها التقليدي على كل تجديد، وتتعصّب وتعيب وترفض كل مستحدث، لا تختلف على من تتنكّر بتعجرف لكل قديم ينغّص عليها حياتها الفقيرة من قيم الأصالة. وتتهكّم على كل ما يمت بصلة إلى تخصص المرأة حسب خصوصيات مجتمعنا.

وكلّما بحثت في أسباب المفاهيم المشوشة والمغلوطة للأصالة والتطور والتخلف والأنوثة… أجدها تمخّضت من رحم هذا الصراع المتطرّف بين التقليد بتقوقع ونمطية، والتطور بلا هويّة ولا منهجية.

مقالات ذات صلة