الرأي

تألّق ثانوية الرياضيات… والعاقبة للأولمبياد!

بعد الاطلاع على نتائج البكالوريا لهذه السنة، تبيّن أن وزارة التربية اضطرت إلى النزول حتى معدل 9.5/20 لرفع نسبة الناجحين إلى 61%. ولعل هناك ما يبرّر هذا الإجراء عند البعض بحكم الظروف الخاصة التي عاشتها المدرسة والبلاد خلال هذه السنة، لكن الكثير من الجامعيين يرفضونه نظرا لتدني مستوى عموم الطلبة الذين يصلون إلى الجامعات سنة بعد سنة. وفي مطلق الأحوال، فهذا الرأي وذاك لا يهمّ تلاميذ ثانوية الرياضيات لأنهم أثبتوا تألقهم، ولا حاجة لهم إلى تعديل العلامات ليجدوا أنفسهم على رأس قائمة الناجحين!

 الامتياز ثم الامتياز…

فلأول مرة منذ نشأتها تسجل ثانوية الرياضيات بالقبة نتائج باهرة مسّت 50 تلميذا أجروا امتحان البكالوريا، إذ تحصل 25 تلميذا منهم على معدل يفوق 18/20 -منهم أربعة تلاميذ فاقت معدلاتهم 19/20. أما أغلبهم (42 تلميذا) فكانت معدلاتهم قد تجاوزت 17/20. ولم ينزل معدل أي تلميذ تحت 15/20 سوى تلميذ واحد كان قد حصل على 14.7!

نعتقد أن هذا الامتياز يعود إلى عدة عوامل، منها قلة عدد التلاميذ في المؤسسة وانتقائهم من بين المتفوقين عبر الوطن. لكن هذا لن يكون كافيا لولا عناية طاقم المؤسسة بالتلاميذ وبأحوالهم وإقامتهم، ولولا جهود عديد الأساتذة في الثانوية. ولذا وجب الثناء على هؤلاء جميعا والتعاون معهم للمضي قدما في هذا الاتجاه.

ومع ذلك توجد سلبيات من شأن إزالتها أن تحسن في مردودية الجميع. نكتفي هنا بالإشارة إلى نقطتين :

– لا نعتقد أن وزارة التربية قامت بانتقاء أساتذة هذه الثانوية ليكونوا في مستوى علمي وبيداغوجي يتماشى مع مستوى التلاميذ ومع ما تطمح له ثانوية الرياضيات من أهداف. كان يتعيّن انتقاء الأساتذة انتقاء صارما كما ينبغي أن يكون لأساتذة وطاقم هذه الثانوية قانون خاص وفق مبدأ “التوازن بين الواجبات والحقوق للموظفين”.

– نحن نمرّ يوميا راجلين أمام ثانوية الرياضيات (بحكم قربها من مكان عملنا) وما لاحظناه أنه من النادر ألا نجد حول الثانوية حشودا للسيارات القادمة أحيانا من ولايات مختلفة. وعندما نسأل عن السبب، يُقال لنا أن هناك “نشاطا” داخل الثانوية. وبتعبير آخر، فإن وزارة التربية تستغلّ هذه الثانوية كمكان مناسب لعدد كبير من نشاطاتها (ملتقيات، اجتماعات، احتفالات، ندوات…) خلال السنة الدراسية.

لا شك أن كثافة هذه اللقاءات داخل الثانوية ترهق كاهل الطاقم الإداري بالمؤسسة لما يتطلبه منها من جهود وتجنيد من أجل التكفل بهؤلاء الحضور في كل مناسبة. وهذا التكفل سيكون، لا محالة، على حساب العناية بالتلاميذ وإطعامهم وإيوائهم فضلا عن المتابعة ذات الصلة بالجانب التعليمي. فحبذا لو تسعى وزارة التربية إلى التخفيف عن طاقم الثانوية بتنظيم جزء أكبر من نشاطاتها خارج هذه المؤسسة، وهذا لصالح تلاميذها.

 وماذا عن الأولمبياد؟

ليس سرا أن المنافسات الأولمبية في المجال العلمي لم تعرف بعد نهوضا يُذكر نظرا لإهمال كبار المسؤولين -الذين تتداولوا على وزارة التربية منذ الاستقلال- بواجب الاهتمام بنخب التلاميذ. وحسب علمنا، فكان هناك استثناء عندما حاول وزير التربية الأسبق عبد اللطيف بابا أحمد محاولة جادة في رسم إستراتيجية وطنية تُعنى بالنخب، لكن المحاولة أجهضت في المهد إذ لم يعمّر طويلا على رأس الوزارة، وقامت من خلفته بوأد المشروع.

أما وزير التربية السابق محمد وجعوط، فكان منذ بداية عهدته عازما على إرساء قواعد صلبة للنهوض بهذه المنافسات في جميع المواد التي تُدرَّس في التعليم الثانوي (10 مواد). وأسفرت تلك المجهودات على إنشاء اللجنة الوطنية للأولمبياد تضم 10 لجان فرعية. غير أن الظروف لم تسمح لحد الآن سوى بإنشاء لجنة الرياضيات، وكان العمل جاريا على إنشاء اللجان الفرعية الأخرى. ولا ندري هل خَلفُ الأستاذ محمد وجعوط سيواصل تنفيذ هذا المشروع.

وقد نُصِّبت لجنة الرياضيات -المؤلفة من 10 أساتذة من التعليم الثانوي والعالي- في مارس 2021، وألحقت بالمعهد الوطني للبحث التربوي. وانطلقت اللجنة في اجتماعاتها التنظيمية لوضع الخطط وإعداد التلاميذ الذين سيمثّلون الجزائر في المنافسات الأولمبية العالمية التي احتضنتها روسيا عن بعد هذه السنة من 14 إلى 24 جويلية الجاري وشاركت فيها 107 بلدان.

وبطبيعة الحال، فقد واجهت اللجنة صعوبات جمة حالت دون أن تفي بواجباتها نظرا لقصر المدة التي أمامها لإعداد التلاميذ لهذه المنافسات. ومن حسن حظها أنها وجدت متطوّعين من الطلبة الجامعيين النجباء، وهم عبد الجليل هزوات وإلياس حمدي وعبد اللطيف شنتوف -الذين كانوا يدربون فريقا من التلاميذ قبل إنشاء اللجنة- فاستطاعت الجزائر المشاركة خلال هذه السنة في المنافسات الأولمبية العربية والفرانكفونية والإفريقية في مجال الرياضيات. وواصل هؤلاء المتطوعون نشاطهم وتعاونوا مع اللجنة الوطنية في تدريب الفريق الذي شارك يوم 20 جويلية في المنافسات العالمية… وهو تعاون يُشكر عليه الجميع، وينبغي أن يتواصل رغم ما عرف من حين لآخر من “احتكاكات”.

وماذا عن المستقبل؟

وإذا عدنا إلى ثانوية الرياضيات نجد أنها كانت القلب النابض لهذه المنافسات ومكان كل تدريباتها. وقد أَوَت الثانوية التلاميذ الذين وجب تدريبهم بعد انتقائهم على المستوى الوطني؛ بل كانت مركز المنافسة التي أجريت عن بعد حيث جُهزت قاعة بأحدث الأجهزة وفق ما أقرّته اللجنة العالمية للأولمبياد. وفي هذا السياق، لا بد من العرفان بالجميل والثناء على الخيّرين الخواص الذين جهزوا هذه القاعة وما فتئوا يدعمون هذا النشاط الأولمبي العالمي في مجال  الرياضيات منذ سنة 2015.

ولعل المسؤولين بالوزارة وغيرهم لم يدركوا الجهود التي بذلها طاقم الثانوية للتكفل بالتلاميذ والمشرفين الرسميين خلال يوم المنافسة (وما قبله) الذي صادف يوم عيد الأضحى المبارك. أما نتائج هذه المنافسة فقد صنفت الجزائر في المرتبة 89 (من 107 بلدان) علما أن مرتبتنا في السنة الماضية كانت المرتبة 100. نشير بهذا الصدد إلى أن بلدانا عربية شاركت في هذه المنافسات وبعضها تحصلت على نتائج طيبة جدا : السعودية (المرتبة 38)، تونس (56)، سوريا (68)، المغرب (75)، العراق (89)، مصر وعُمان (103).

وحسب علمنا، فالوضع في الجزائر يبشر بالخير إذا ما تكفلت الوصاية بالملف تكفلا جديا وذلك لسببين :

أولهما : أن هناك لجنة وطنية لها كل الصلاحيات لوضع إستراتيجية التدريبات المقبلة وتنفيذها من قبل أهل الاختصاص بدءا من مطلع السنة 2021/2022.

ثانيهما : تبيّن لدى اللجنة أن ثمة عددا من النجباء لم يشاركوا هذه السنة في المنافسات وإذا ما تلقوا تدريبات منهجية خلال السنة القادمة فستكون لهم حظوظ كبيرة للفوز بالميداليات في المنافسات الأولمبية المقبلة.

هنيئا لثانوية الرياضيات على مجهوداتها… والأمل الكبير معلّق على أداء اللجنة الوطنية الأولمبية خلال السنة الدراسية المقبلة.

مقالات ذات صلة