-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تاريخ التسوُّل الفرنسي للجزائر قبل 1830

ناصر حمدادوش
  • 2413
  • 2
تاريخ التسوُّل الفرنسي للجزائر قبل 1830

يذكر الدكتور “مولود قاسم نايت بلقاسم” في كتابه “شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل 1830م”، أن فرنسا كانت حريصة على وُدِّ الجزائر ابتداءً من سنة 1534م، لتأخذ العلاقة شكلاً جديدًا يتجاوز المصالح التجارية المتبادلة، فنشأت العلاقات الديبلوماسية وعُيِّن أوَّلُ سفيرٍ لفرنسا في الجزائر، ثم عُيِّن قنصلٌ آخر سنة 1538م كأوَّل قنصل أوروبي، بل ممثلاً لكلِّ الأوروبيين.

ومن مظاهر التودُّد الفرنسي للجزائر أنَّ سفيرها في اسطنبول “بيتريمول” كتب رسالةً بتاريخ 15 جويلية 1561م إلى وصية العرش الفرنسية “كاترين دِي ميديسيس” (أم شارل التاسع)، يقول فيها: (أنه رَجَا الصدر الأعظم (رئيس وزراء اسطنبول آنذاك) أن يوصي سلطان الجزائر البايلر باي الجديد “أحمد باشا” خيرًا بفرنسا، لتقبل الجزائر بالتحالف مع فرنسا).

ثم يتحدَّث “مولود قاسم” عن مساعدات الجزائر لفرنسا قبل 1830م، وهي أنواع:

1/ المساعدات العسكرية البحرية قبل الثورة الفرنسية سنة 1789م وبعدها: استنجد ملك فرنسا “فرانسوا الأول” بـ”خير الدين بارباروس” رئيس دولة الجزائريين سنة 1543م ضدَّ الإمبراطور الألماني وملك إسبانيا وهولاند وإنجلترا وأمريكا اللاتينية، الذين كانوا يهدِّدون الوجود الفرنسي في أوروبا، يقول المؤرِّخ الفرنسي “غارو”: (إنَّ ذلك التحالف بين فرانسوا الأول وخير الدِّين ضدَّ شارلكان (ملك إسبانيا) قد تواصل في عهد “صالح رايس” أحد خلفاء خير الدِّين، و”هنري الثاني” ابن “فرانسوا الأول” ضدَّ “فيليب الثاني” ابن “شارلكان”، مضعفين بذلك إمبراطورية شارلكان وخلِفه بعده، مما حفظ فرنسا من الغزو الإسباني والتمزُّق)، كما استنجد الملك الفرنسي “هانري الرابع” برئيس دولة الجزائريين “حيدر” سنة 1591م لتحرير مارسيليا من العصبة المقدسة (البابا يوليوس الثاني والبندقية سويسرا وملك بريطانيا وزوج ملكة إسبانيا)، كما استنجد ملك فرنسا “لويس الرابع عشر” برئيس دولة الجزائريين “الداي شعبان” سنة 1689م ضدَّ هولاند وانكلترا المهدِّدتين للوجود الفرنسي.

2/ المساعدات الإستراتيجية والديبلوماسية للثورة:

وكانت بداية هذه المساعدات هي اعتراف الجزائر العثمانية بالثورة والجمهورية الفرنسية الأولى وانتهاء بالملكية، برسالةٍ من “الداي حسن” يوم 20 سبتمبر 1793م، والتي عادَتها كلَّ التكتلات الملكية والإمبراطورية والقيصرية السبعة في أوروبا إلى غاية السقوط النهائي لنابليون سنة 1815م، وكذا تجديد الجزائر صلاحية كلِّ المعاهدات والاتفاقيات لصالح الجمهورية الفرنسية الفتية، واعتبارها سارية المفعول لصالحها بناءً على طلبها الكتابي من سفيرها بالجزائر، وكذا فكّ الحصار الديبلوماسي والاقتصادي عنها من الدول الأوروبية، التي تنظر إليها على أنها صاحبة بدعة “الجمهورية” في نظام الحكم بعد الثورة.

3/ المساعدات المالية والاقتصادية للثورة:

وتتمثَّل في قرضٍ من “الداي حسين” إلى الجمهورية الفرنسية الفتية سنة 1793م لتشتري به قمحًا من الجزائر، وهو ما يُسمى بقرض الاستيراد (القرض الحكومي)، والذي بلغ أكثر من: 7.9 مليون فرنك ذهبي للقمح وحده، وهي التي كانت تعاني أزمة وعجزًا ماليًّا وقد حلَّت بها المجاعة والقحط، والتي عبَّر عنها “مفدي زكريا” في “الإلياذة”

فقال:

وجاعت فرنسا فكنَّا كِرَاما ***** وكنَّا الأُلَى يطعمون الطعامَا

فأبْطَرَهم قمحُنا الذهبـــــي ***** وكم تبطُر الصَّدقاتُ اللِّئامَــا

وباعت فرنسا ضمير اليهود ***** وباع ضميرُ اليهود الذِّمَاما

كما قدَّمت الجزائر لفرنسا قرضًا نقديًّا يُقدَّر بـ: 5 ملايين فرنك ذهبي (بقيمة ذلك الوقت) من دون فائدة، بالإضافة إلى المواد الغذائية المتنوعة والتجهيزات المختلفة، مثل: الخيول والجلود والصوف للجيش الفرنسي (بمثابة الدبابات والشاحنات في عصرنا).

وقد ذكر المؤرِّخ الفرنسي “دي غرامون” رسالة القنصل العام الفرنسي بالجزائر آنذاك “فاليير” إلى قادة الجمهورية الفرنسية، والتي يقول فيها: “لقد علمت، ومَلأني السُّخط الشديد، أنَّ الإنكليز قد تجاسروا إلى حدِّ الطلب من الداي بأن يمنع عنَّا كلَّ إسعافٍ ليجعلونا نموت جوعًا، ولكن الداي أجابهم كسيِّد بلاده وكصديق الفرنسيين…”.

وتتمثَّل في قرضٍ من “الداي حسين” إلى الجمهورية الفرنسية الفتية سنة 1793م لتشتري به قمحًا من الجزائر، وهو ما يُسمى بقرض الاستيراد (القرض الحكومي)، والذي بلغ أكثر من: 7.9 مليون فرنك ذهبي للقمح وحده، وهي التي كانت تعاني أزمة وعجزًا ماليًّا وقد حلَّت بها المجاعة والقحط، والتي عبَّر عنها “مفدي زكريا” في “الإلياذة” فقال:

وجاعت فرنسا فكنَّا كِرَاما ***** وكنَّا الأُلَى يطعمون الطعامَا

وفي الوقت الذي قام به “نابليون” بحملة العدوان على مصر (إحدى ولايات الخلافة العثمانية) سنة 1798م قامت الجزائر بإعلان الحرب على فرنسا تضامنًا مع الدولة العثمانية، ووضعت كلَّ الفرنسيين في الجزائر في الأغلال -بما فيهم القنصل العام “مولطيدو”- وقام الأسطول الجزائري بالمشاركة في طرده من مصر، فبعث “نابليون” إلى “الداي مصطفى” مبعوثًا لعقد السلم يقول في رسالته يوم 5 أفريل 1800م: “من بونابارت القنصل الأول للجمهورية الفرنسية (رئيسها من دون انتخاب) إلى مصطفى باشا، داي الجزائر: أيها السيد الأمجد الأعظم.. إنَّ حالة الحرب بين البلدين ليست في مصلحتهما.. وإني أبعث إليكم بالمواطن “تانفيل” مع تفويضٍ مطلق لإعادة العلاقات السياسية والتجارية بين الدولتين على أساس الوضع الذي كانت عليه قبل قطعها..”.

وبالرغم من حجم المعاهدات والاتفاقيات بين الجزائر وفرنسا قبل 1830م والتي وصلت إلى أكثر من 70 معاهدة سلم وتجارة واتفاقية اقتصادية، وتولّي رعاية مصالحها من طرف 60 قنصلاً، وقد تردَّد عليها 96 محافظًا، وذلك للحفاظ على مصالحها التجارية وامتيازاتها في البحر الأبيض المتوسط، بل وأرسل الملك الفرنسي “لويس السادس عشر” بعد سنة 1775م برسالة إلى “الداي محمد عثمان” يصف فيها الجزائر بالإمبراطورية في ذلك الوقت، ويقترح عليه فيها تعديل بعض بنود معاهدات سابقة: “لزيادة تعزيز العلاقات بين الإمبراطوريتين..”، وبالرغم من ذلك التودُّد الفرنسي للجزائر والمساعدات الإستراتيجية الضخمة ضدَّ أعدائها الأوروبيين، إلاَّ أنَّ فرنسا كانت تعطينا يدًا من الصداقة، وتخفي عنَّا الأخرى من الخيانة والغدر، يقول المؤرخ الفرنسي “أوغستين برنار”، وهو أستاذ التاريخ واستدمار إفريقيا في جامعة السربون: “إنَّ احتلال الجزائر هو ثمرة ثلاثة قرون من جهود متواصلة باستمرارية جديرة بالتقدير..”، ففرنسا أمُّ البلايا، التي غزَت كلَّ الخلايا، وأتت منها كلَّ الرزايا للجزائر.

والجزائر كانت تمثِّل الرُّعب الأخطر عليهم، كما يقول المؤرِّخ الفرنسي “دى غرامون”، وهو يتحدَّث عن الجزائر وقوَّتها خلال العهد العثماني قبل سنة 1830م، بذلك الإشعاع العالمي وشخصيتها البارزة ووجودها الكوني وهيبتها الدولية: (لقد ظلّت الجزائر طيلة ثلاثة قرون (فترة الوجود العثماني) رُعب النّصرانية وكارثتَها، ولم تنجُ واحدةٌ من المجموعات الأوروبية من البحّارة الجزائريين الجريئين، بل وأخضعت الجزائر زيادة على ذلك لمهانة الضَّريبة السَّنوية: ثلاثة أرباع أوروبا، بل وحتى الولايات المتَّحدة الأمريكية)، وكان المؤرِّخ الإسباني “دييغو دي هايدو” يصرِّح ويصرخ في وجه أوروبا قائلاً: (الجزائر آفة الدّنيا ومضجعُ القراصنة، إلى متى يتحمّل ملوك أوروبا ذلّه؟).

هذه القوَّة الدولية والهيْبة العالمية للجزائر جعلت فرنسا تبادر في مؤتمر (فيينا) سنة 1814م إلى طرح موضوع الجزائر، فاتفق المؤتمرون على تحطيم هذه الدولة في مؤتمر (إكس لاشابيل) عام 1819م، إذ وافقت 30 دولة أوروبية على الفكرة، وأُسنِدت المهمَّة إلى فرنسا وانكلترا للقيام بذلك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ناصري عبد الحميد

    فرنسا العجوز لم تنسى التاريخ (ثلاثة قرون )وهي تنظر الفرصة الى غاية (1827 )بعد معركة (نفارين )وانهزام الاسطول الجزائري فبداءت تحظر فنسها لغزو الجزائر وتم ذلك عام (1830) ودخلت على (سيدي فرج )(05 جويلية1830) ورعبت السكان الجزائريين بالقتل والتنكيل واحتلت الارض من (1830 الى 1962 ) واخرجها الجزائريين بعد عدة مقاومات شعبية عديدة الى ان جاء (01 نوفمبر 1954 )واستمر الكفاح المسلح ضد الاستدمار الفرنسي الى غاية الاستقلال (05 جويلية 1962) وبقت فرنسا توضع خدامها ماواء البحر وهذا ماحدث في عهد (عبد العزيز بوتفليقة) الذي اوصل البلاد الى الهاوية...🤢🤢🤢😣😣😣....

  • العربي بن مهيدي

    ان الاستقلال الحقيقي والتام يوم قطع كل علاقة وشراكة مع هذا المسخ الارهابي النازي الفاشي الذي يسمي فرنسا . للجزائر بدائل كثيرة ومتنوعة وذات جودة عالية وراقية فهناك البديل الامثل والانفع المانيا والصين وتركيا وكندا وبريطانيا واستراليا وسويسرا وامريكا وروسيا واندونيسيا وكوريا الجنوبية ........ الجزائر شعبا وجيشا لا حادة لها بفرنسا المنهخارة الفقيرة الجائعة الماكرة الخبيثة الاجرامية . تحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا الابرار