الرأي

تبادل “الجثث”

عمار يزلي
  • 2504
  • 4

منام اليقظة موجود، غير أن الكثير يتوهم أنه حقيقة وهم، فيما هو وهم حقيقي! أن “تضرب النح” اليوم، وكما في الغد، في بلد الأمس وما بعد الغد، يعني أنك تسمن دجاجك ليوم المسغبة، وأن تطيل عمر المرض حتى يمرض المرض فيموت الشفاء ويتعافى المرض. فالمثل الإنجليزي القديم يقول عن طب القرن السابع عشر في بريطانيا، بل عن أطباء “الشكارة” في وقتهم: “سرة المريض، تطيل المرض”. أما اليوم، فالمريض “بالصرة”، طالت صرته! لتصبح “شكارة”.

يحدث معنا وفينا ومعنا، ما لا يصدق، وفي منام اليقظة، حين صار المرض يقاس بوزن الشكارة: فما تجنيه المجازر الجماعية في بعض العيادات ـ أعادنا الله وإياكم منها ـ لا يقاس بثمن ولا بتسع. مقابل ماذا؟ مقابل مذابح لقاء أموال، وأشلاء آدمية في المزابل العمومية. في المستشفيات العامة، ليس “حامو” أحسن وضعا من “تامو”! حامو لا يحي صحيحا وتامو لا يموت معافى!

لا أريد أن أعدد الحالات الغريبة التي نقرأ عنها قليلا، والتي لا نسمع عنها لا قليلا ولا كثيرا، فالكل يعلم أن سياستنا الصحية، مريضة مرضا عضالا، إن لم نقل أنها في حالة موت أرضي (ليس هناك موت سريري عندنا، لأنه عليك أن تمرض على الأرض وتموت عليها: “عليها وتحيى وعليها تمرض وتموت” في بعض المستشفيات التي “تشفي” الحي الميت”، ويشفق عليها الميت الحي)! كما أني لا أريد أن أتحدث عن الأخطاء وبيروقراطية الموت حتى قبل بيروقراطية الحياة في عموم مستشفياتنا العمو ـ مية! ونقص المواد الطبية الاستهلاكية، وتعطل الآلات والمخابر ـ فقط على من يراد لها أن تعطل في وجوههم ـ فيما هي في عطلة دائمة، وجاهزة للعمل عند أي تدخل سريع!

آخر ما أضحكني وأبكاني هذه الأيام، جثمان (عادة ما يقال في الصحف “جثة”، وقد قيلت عن هذه القصة “جثة”، والكل يعلم أن الجثة تقال للحيوان النافق.. أي “الميت”.. فيما نقول “الميت” فقط للبشر)، جثمان رجل، خرج من المستشفى بطبيعة الحال… خرج منه “نافقا” يترقب!.. ليجد نفسه يسلم لغير أهله في البرج. عندما هرع الأهل لاستبدال الجثمان، وجد جثمان فقيدهم قد “صدر” لعنابة، لعائلة، لم يكتشفوا أنه قد سلمت إليهم “جثة” ليست لهم. وجدوهم على شفى حفرة من الحفرة التي هي القبر. وقامت العائلتان بتبادل “أسرى” المستشفى الأموات، على حدود اللحد، في زمن السلم.. كأننا في حرب!

مقالات ذات صلة