-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تجميد‭ ‬المجمد‭!‬

محمد يعقوبي
  • 7359
  • 0
تجميد‭ ‬المجمد‭!‬

كان الجزائريون سيحترمون حركة حمس أكثر لو أنها تمسكت بالتحالف الرئاسي ورفضت بوضوح الخروج من الحكومة، وناضلت مثلما اعتادت من أجل سياستها المعروفة في هذا الاتجاه. وكان الجميع سيحترمها لو أنها امتلكت شجاعة الانسحاب من التحالف والحكومة معها مثلما تفعل كل الأحزاب المتحالفة مع السلط في العالم عندما تتحفظ على السياسات المتبعة. لكن أن تقرر حمس الانسحاب من التحالف أو فك الارتباط مع الأرندي والأفلان وفي نفس الوقت التمسك بالبقاء معهما في الحكومة، فلعلها طريقة جديدة في استغباء الرأي العام والمراقبين واستغفال المواطن الذي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تخفى‭ ‬عليه‭ ‬خافية‭ ‬في‭ ‬السياسة‭..‬

لسنا هنا لنرغم حمس على الانسحاب من الحكومة أو البقاء فيها، فذلك رهان المناضلين والقياديين داخلها الذين يفترض أنهم على بينة من الأهداف والإيجابيات والسلبيات لكل المواقف التي يتخذونها، لكن المؤسف حقا أن تصبح لعبة التوازنات مقدسة داخل حمس أكثر من أي شيء آخر، خاصة‭ ‬عندما‭ ‬يبالغ‭ ‬الحمسيون‭ ‬في‭ ‬لعب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬بمناسبة‭ ‬أو‭ ‬بدونها،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬يغيب‭ ‬فيها‭ ‬المنطق‭ ‬وتغيب‭ ‬السياسة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬الحزب‭ ‬يعيش‭ ‬بها‭ ‬ومن‭ ‬أجلها‭.‬
حمس بقرارها الانسحاب من التحالف دون الحكومة، تريد أن ترضي الجميع؛ السلطة والرئيس بوتفليقة تحديدا لتفادي الانسداد، وترضي الشارع والمعارضة بإسكات الالسن المنتقدة، وترضي الإعلام الذي لا يكف عن “الإزعاج” وترضي التيارات المتصارعة داخل حمس على خلافة أبو جرة بتأجيل الحسم بدعوى الحفاظ على التماسك والوحدة، وترضي وزراءها بعدم إحراجهم مع الرئيس، وترضي الحركات الإسلامية في المحيط المغاربي والعربي بالقول أنها قادرة على استرجاع أنفاس المعارضة.. لكن حمس في خضم هذه التوازنات السياسوية المعلبة تنسى وتغفل أنها يمكن أن تخسر كل‭ ‬هذه‭ ‬الإرضاءات‭ ‬عندما‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬الجزائري‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬استغفاله‭ ‬واستغباؤه‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬بمناسبة‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬القادمة،‭ ‬التي‭ ‬تخشى‭ ‬حمس‭ ‬خذلان‭ ‬الصناديق‭ ‬خلالها‭ ‬بسبب‭ ‬موضوع‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭.‬
مشكلة حمس أنها تضع نفسها دائما داخل قفص بابه مفتوح على مصراعيه، وتضع نفسها تحت ضغوطات لا مبرر لها قبيل اتخاذها قرارات حاسمة، ضغوط السلطة والمعارضة وضغوط الشارع والإعلام وضغوط المناضلين والمراقبين.. ثم تحاول أن تخرج بقرارات ترضي جميع هذه المتناقضات، وهو ضرب‭ ‬من‭ ‬الاستحالة‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬أحد‭ ‬معادلته‭.‬
ولذلك رأينا حمس استثمرت في تاريخها كل ألوان الطيف، لكننا أبدا لم نرها يوما تختار الأبيض والأسود من الألوان في المواقف، ومن الخطأ أن يعتقد حزب ما أن وظيفته السياسية لا تتخطى صناعة التوازنات واللعب بها والعمل في نطاقها، بعيدا عن المواقف الحاسمة في المنعرجات الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬الوضوح‭ ‬والجرأة‭ ‬ولا‭ ‬تنفع‭ ‬معها‭ ‬ألوان‭ ‬الطيف‭ ‬وانصاف‭ ‬الحلول‭..‬
حمس تشارك في الحكومة، لكنها لا تدري كيف ولماذا وإلى متى، هي عاجزة حتى على الاستثمار في نجاحات وإنجازات بعض وزرائها في قطاعاتهم، وهي نجاحات تكفي لتغيير الكثير من المعطيات السياسية داخل التحالف بالنظر إلى عيوب وزراء باقي أحزاب التحالف، لكن حمس تختفي تحت الطاولة‭ ‬أحيانا‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يتعرض‭ ‬بعض‭ ‬وزرائها‭ ‬إلى‭ ‬حملات‭ ‬من‭ ‬خصومها‭ ‬السياسيين،‭ ‬وهي‭ ‬فوق‭ ‬ذلك‭ ‬عاجزة‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬مراقبة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الوزراء‭ ‬ومحاسبة‭ ‬من‭ ‬يخطئ‭ ..‬
في الوقت الذي استفاد فيه تلاميذ أربكان من إنجازات الرجل ومشاركته في دواليب النظام في تركيا، وفي كل مرة نرى جماعة أردوغان تقيم حملاتها الانتخابية بإنجازات القطاعات الوزارية التي يمتلكونها.. وحتى أردوغان نفسه اكتسب ثقة الأتراك بفضل إنجازاته على رأس بلدية اسطنبول التي كانت واضحة للعيان وكافية لأن تجعل الأتراك يستأمنون أردوغان على كيان دولتهم العلمانية، وعلى العكس من ذلك عادت المشاركة السياسية بالوبال على حمس بل أصبحت تعير بها في المواعيد الانتخابية، بسبب عجز الحزب على الاستثمار السياسي في انجازات القطاعات الوزارية‭ ‬التي‭ ‬يشرف‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تغييرهم‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الوزراء‭ ‬لا‭ ‬يؤدون‭ ‬الدور‭ ‬المطلوب‭ ‬منهم‭ ‬سياسيا‭. ‬
الخلاصة أن انسحاب حمس من التحالف وبقاؤها في الحكومة يشبه إلى حد ما من يطلق زوجته ثم لا يهجر فراشها! ولأن المرأة التي تطلب الخلع يجب أن تدفع الكثير من الالتزامات لفك ذلك الارتباط، فإن صناديق الاقتراع وحدها كفيلة باختبار هذا النمط الجديد في الممارسة السياسية‭.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!