الرأي

تركيا: لنُفشِل محاولة الانقلاب الثانية

محمد سليم قلالة
  • 2664
  • 22

بعد فشل الانقلاب السياسي والأمني ضده منذ نحو سنتين، تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تعزيز موقعه السياسي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المسبقة الأخيرة، وبذلك يكون قد قَدَّم النموذج الحي لما ينبغي أن تكون عليه القيادة في العالمين العربي والاسلامي. قيادة تَكْمُنُ قوتها أولا في الدعم الشعبي، وثانيا في شرعية الفوز بـ53 بالمائة من أصوات الناخبين وليس بتزويرها، وثالثا باعتراف المعارضة بها، ورابعا بما ارتكزت عليه من اقتصادٍ قوي مكَّنها من دخول أكبر أسواق العالم بما فيها الأمريكية…
هذه القيادة لم تَعُد تراها القوى المعادية بعين الرضا؛ إنها تُقدِّم النموذج الحي لِماَ ينبغي أن تكون عليه دولة مسلمة في القرن الحادي والعشرين، لذا ينبغي منعُها من أن تكون كذلك، ويجب العمل على تحطيمها.
وهكذا تم الانتقال بالسرعة القصوى من أسلوب الانقلاب العسكري، إلى أسلوب الانقلاب المالي. وهاهي اليوم تتجلى معالمه بدعم وتواطؤ قوى عربية تَدَّعي الانتماء إلى الإسلام معروفة بثرائها الفاحش وأموالها الطائلة المخزَّنة في البنوك الغربية.
تلجأ هذه القوى ومعظمها إماراتية إلى بنوك عالمية مثل travelex وغيرها لعرض كميات هائلة من العملة التركية للبيع في سوق المال بهدف إضعافها في زمن قياسي.. وتتحالف مع أسيادها الأمريكيين وأتباعهم لفرض مزيد من الرسوم الجمركية على الصادرات التركية من الصلب والألمنيوم وغيرها لخنق الاقتصاد التركي. وهاهي تتمكن مرحليا من تحقيق غايتها وتُضعِف العملة التركية بعد تخصيص قرابة الخمسين مليار دولار لهذا الغرض..
هل ستنجح محاولتها الانقلابية الثانية هذه؟
ليس من السهل لدولة مثل تركيا أن تواجه وحدها محاولة الانقلاب الثانية هذه، التي تتحالف فيها قوى المال العالمية مع قوى الشرِّ العسكرية، ولكنها تستطيع ذلك من خلال سياسات مضادة مع حلفائها الموثوقين أيضا… وهاهي تلجأ إلى السيولة المالية القطرية التي عززت استثماراتها المباشرة بـ15 مليار دولار في اليومين الماضيين، وإلى الشريك الإيراني الذي يُعَدُّ من الحلفاء الاستراتيجيين، وفي مرتبة ثانية إلى الحليفين الصيني والروسي اللذين تجمعهما بتركيا مصالح مشتركة فضلا عن بعض الحلفاء الأوروبيين وبخاصة الألمان منهم.
بما يعني أن تركيا هذا البلد المسلم الصَّاعد، إنما هو اليوم في قلب معركة مصيرية يجب علينا جميعا الوقوفُ معه للانتصار فيها، بوعينا بمعادلة الصراع الحقيقية، وبكشفنا للمتواطئين من العرب الأثرياء ضدها والتنديد بهم، وبدعمنا لكل ما هو منتج تركي من الصناعة إلى السياحة إلى غيرها من المنتَجات المالية والخدمات الأخرى. بل إنه من واجب المستثمرين الشرفاء في كل دول العالم تعزيزُ اقتصاد هذا البلد، حتى نضع حدا لمن أرادوا أن يفرضوا أنفسهم جبابرة مهيمنين على هذا العالم بقوة السلاح، فلمَّا فشلوا أشهروا سلاح المال.. وعلينا هزيمتهم، لنستعيد مع تركيا الأمل في أن نكون نحن أيضا أقوياء.

مقالات ذات صلة