الرأي

تسويد الأيادي لتبييض الأقدام

عمار يزلي
  • 1431
  • 3

عودة أقل ما يقال عنها “بغلة”، في قضية الأقدام السود! كان الراحل الطاهر وطار أول من تحدث عن “عرس بغل”! لما سألته مرة عن المقصود من “عرس بغل” في رواية تدور كلها في ماخور، قال لي: عرس لا طائل من ورائه، لأن البغل لا ينجب.
عرس بغل اليوم، يتجلى في كثير من المظاهر التي نتخبط فيها منذ محاولتنا الخروج من أزمة النفط التي عصفت بالاقتصاد الأحادي المبني على الريع وغيرت نظرتنا للاقتصاد، لكن عوض أن نغير أنفسنا وعقليتنا التسيير الاشتراكي، بقينا نسير التجارة الحرة (على مصراعيها)، بعقلية الاشتراكية التي لم تكن لا اشتراكية ولا بطيخ! وإنما رأسمالية دولة!
اليوم، لما أردنا أن نصدّر وننتج ونعوّل على الإنتاج غير النفطي، وجدنا أنفسنا أمام مشكلتين: الاكتفاء الذاتي، ثم التصدير! الاكتفاء الذاتي حققناه في بعض المنتجات الفلاحية، لكن التصدير فشلنا فيه، حتى أنه قد تم مؤخرا رد شحنات من البطاطا من كل من روسيا وقطر، فيما فرنسا أحرقت الشحنة التي صدرت لها، لأن البطاطا الجزائرية لم تستجب للمعايير الدولية في استعمال المبيدات الكيميائية (يبدو أنهم عمروها دواء النمل والبرغوث ومانيش عارف من “دي ديتي” والهم الأكحل!)، أما كندا فأرجعت إلينا شحنة تمور، لأنها كانت “مدوّدة” بنسبة 20 في المائة! الصفقة تعادل نحو 20 مليون أورو! خسارة في أول امتحان! لهذا، يبدو أن الوزير الأول بعد الزيارة لفرنسا ولقائه بماكرون حول قضية ليبيا، وجد الفرصة سانحة للتحدث عن التبادل وفتح أسواق فرنسا في وجه المصدرين الجزائريين والمنتجات الجزائرية (على قلتها)، ويبدو أن ماكرون لم يرفض، بل رحب بالفكرة، واقترح آلية مدسوس فيها السم في العسل!: لماذا لا نشجع مع بعض التعاون بين الجالية الجزائرية في فرنسا و”قدماء الجزائريين” من جهة، وبين المتعاملين الجزائريين من جهة آخرى! هكذا، سيتم الاعتماد على شركاء تجاريين يعرفون الجزائر أكثر من الجزائريين. الوزير الأول، جاء فيما يبدو بالفكرة طازجة من باريس ولسنا ندري إن كان قد عرضها على الرئيس، وبأية طريقة؟ ليجد نفسه يعرضها على الباطرونا الجزائرية! لماذا لا تتعاملوا مع قدماء الجزائر.. (لم يستعمل قدماء الأقدام السود!) لحساسية الموضوع، رغم أن جيل قدامى الأقدام السوداء والحركى، قد عفا عنهم الدهر.. تماما مثل ما يحدث عندنا مع جيل الثورة الذي بدأ يغادر هذه الدنيا! هل نحن بصدد مرحلة جديدة ما بعد جيل الثورة وجيل الاحتلال في فرنسا! هل بدأنا نغلق الباب أمام الذاكرة الأليمة لما عاناه الشعب الجزائري من الاحتلال ومن جرائم الأقدام السوداء، خاصة مع منظمة OAS الإرهابية؟ هل بدأنا نتحول نحو براغماتية اقتصادية على أساس أن المال لا رائحة له؟ أم هل هي مصيدة جديدة للاستعمار الفرنسي الجديد الذي لا يريد أن ينسى التاريخ ولا يتعرف حتى بمجازره ويمجد جرائمه؟ أتصور أننا أمام إشكالية أنطولوجية كبيرة اليوم ونحن في مفترق الطرق، لأن 2030 على الأبواب وهي فترة نهاية الجيل الثاني للثورة، ونخشى أن تكون فرنسا تخطط كما قال يوما ميتران للأقدام السوداء، وكان الزميل الصحفي الراحل واسطي عبد الملك حاضرا، باعتباره كان رئيسا لوكالة الأنباء في باريس وقتها، وهم من روى لي هذا الكلام سنة 1991، عندما قال لهم ميتران ما بعد أحداث أكتوبر 88: سنعيد لكم الجزائر دون أن تدفعوا “un seul sou”!؟

مقالات ذات صلة