-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تطوير أم  تغيير وحقل تجارب؟

عيسى جرّادي
  • 263
  • 0
تطوير أم  تغيير وحقل تجارب؟

لا يمكننا إصلاحُ المنظومة التربوية بضربة لازب، ولا بالتعامل معها باعتبارها سلعة تسوَّق بالجملة، فيدفعنا ذلك إلى شطب كل ما هو كائن لفائدة شيء آخر يمكن أن يكون، لكن لا نعلم كيف يكون، إذ سنغرق في حالة من الفوضى الشاملة، ونواجه إرباكا مستعصيا، وربَّما انتهينا إلى تدمير الموجود منها لفائدة المفقود، بمعنى أن نخسر ما هو متاح، من دون أن  نكسب شيئا مما نعتقد أنه الأفضل والأصلح.

في مشروع الإصلاح الذي تقدّمت به “اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية” عام 2000.. وتحديدا تقرير اللجنة الفرعية الأولى المكلفة بالإصلاح البيداغوجي، والتي تناولت في أعمالها (البرامج، الطرق البيداغوجية والتعليمية، الوسائل والتسيير البيداوجي وخاصة سياسة الكتاب المدرسي، تدريس اللغات الأجنبية، البحث البيداغوجي، التكنولوجيات الجديدة للاتصال، طرق التقويم والاستدراك ومعالجة التسرُّب المدرسي، التعليم الفني، التربية الرياضية، التكفل بالنشء الصغير)، أمكنني يومها تسجيل الملاحظات الآتية على النص الأولي، والذي قدِّم لرئيس الجمهورية السابق من دون تعديلات جوهرية في نسخته النهائية، وفي هذه الملاحظات ما يتيح إمكانية المقارنة بين ما أرادوه وما حققوه لاحقا:

  1. يبدو النص المكتوب بالعربية مفكَّكا وبلا روح تجمع عباراته، ما يؤكد فرضية أنه تُرجم عن الفرنسية، فتضمَّن عباراتٍ كأنها نُقلت قسرا إلى العربية، وأقحِمت مصطلحاتٌ غير مستساغة شكلا ولا مضمونا، وهذا بدوره يشير إلى غياب الاتفاق على اللغة التي كُتب بها النص الأصلي، والأولى أن يُكتب باللغة الرسمية للدولة الجزائرية وليس بلغة أجنبية، وقد يقودنا هذا الاستنتاج إلى افتراض أن المشروع أعِدَّ سلفا، ولم تنقصه سوى المصادقة عليه.
  2. رغم الإلحاح المعلن، والتصريحات التي تنبّه إلى وجوب تجريد البيداغوجيا من أي أيديولوجية مناهضة لقيم المجتمع، فإن النص برمّته غمرته أيديولوجية حاولت التخفي وراء مصطلحات لا يمكن صرفها عن مدلولها الحقيقي، بمعنى أنه كان مؤدلجا حتى النخاع، يبدو هذا جليا في طبيعة الإحكام الصادرة بحق المدرسة القائمة، ومن توظيف مصطلحات ذات دلالة أيديولوجية تغريبية محضة، والنتيجة هي وقوع النص في تناقض، فهو من زاوية يدعو إلى بيداغوجيا معرفية، ومن زاوية أخرى يغرق في التأويل الأيديولوجي، إنه مشروعٌ ينفي ذاته بذاته.
  3. في ثناياه، ينتقل النص من التشخيص إلى الاقتراح، وإن أتت هذه الاقتراحات متستِّرة، كأن يدًا خفيّة تحاول دسَّ ممنوعات يعاقب عليها القانون، فنسجّل تلك الأحكام القاسية التي تتهم المدرسة القائمة بما ليس فيها، وتحميلها أوزارا هي بريئة منها.
  4. تعميم الأحكام، بما يعطي الانطباع أن كل شيء في هذه المدرسة سيء وفاشل ويوجب التخلّصَ منه، كما يتبنى استنتاجات متعسفة وظالمة، لأنها تفترض أشياء غير موجودة في الواقع، إلا أن تكون إفرازا طبيعيا لأيِّ ممارسة.. وهذا مما لا يخلو منه أي بناء تربوي، والغريب أن يُعرض ذلك كلُّه مشفوعا بنوع من التهويل بما يوحي لغير المطَّلع على واقع هذه المدرسة أنها بيئة لا صلة لها بالتربية والتعليم، ومن أمثلة ذلك ما ورد في النص حرفيا:
  • (إن المعلمين قرّاءُ بطاقات من النوع الرديء).
  • (القيمة التشخيصية للامتحانات والتأهيل توصف بالكارثة).
  • (البيداغوجيا ظلت عرضة للمناورة الهدامة).
  • (النظام التربوي موسومٌ أساسا بالتناقض بين مستلزمات البناء العقلاني والتسيير الفوضوي..).
  • (المدرسة ركنت إلى الاضطلاع بدور هامشي ومضلِّل أحيانا).
  • (التخلي عن نظافة المؤسسات المدرسية).

5– توظيف مصطلحات بدلالات مشبوهة  مثل:

  • (الحداثة)، فهل هي إشارة إلى القطيعة مع ثوابت المجتمع؟
  • (الثقافة الأمازيغية)، هل تعني ترسيم العادات والتقاليد؟
  • (المدرسة الجمهورية)، هل توجد في الجزائر مدرسة ديكتاتورية أو طبقية أو إقصائية؟
  • (الهويات والثقافات الوطنية)، هل توجد في الجزائر أكثر من هوية وطنية واحدة.. تلك التي نعرفها جميعا، ورسّخت أركانها على امتداد قرون متطاولة؟
  • (إسلام التسامح والتفتُّح والتقدُّم)، هل يوجد إسلامٌ يدعو إلى التخلُّف؟ وهل يوجد نصٌّ قرآني يلحُّ على العنف، أم هي محاولة لتحميل الإسلام أفعالا منحرفة صادرة عن أشخاص وجماعات مجهولة الهوية والهدف؟
  • (القيم المشتركة ذات الأساس العقلاني)، هل هي إشارة إلى العلمانية مثلا، إذ يوظَّف مصطلح “عقلاني” ضد كل ما هو ديني؟

هذا على مستوى الشكل على الأقل، أما من ناحية المضمون، فالرسالة المراد تبليغها كانت واضحة المعالم، وتعني ترجمة الإيحاءات السابقة إلى مشروع تربوي جديد، يكرِّس توجُّها جديدا يصبغ المدرسة بلون خارجي، يكُفُّ عن أن يكون وطنيًّا وأصيلا، ومتناغما مع ثقافة المجتمع.

يبدو النص المكتوب بالعربية مفكَّكا وبلا روح تجمع عباراته، ما يؤكد فرضية أنه تُرجم عن الفرنسية، فتضمَّن عباراتٍ كأنها نُقلت قسرا إلى العربية، وأقحِمت مصطلحاتٌ غير مستساغة شكلا ولا مضمونا، وهذا بدوره يشير إلى غياب الاتفاق على اللغة التي كُتب بها النص الأصلي، والأولى أن يُكتب باللغة الرسمية للدولة الجزائرية وليس بلغة أجنبية، وقد يقودنا هذا الاستنتاج إلى افتراض أن المشروع أعِدَّ سلفا، ولم تنقصه سوى المصادقة عليه.

6– مرجعية المبادئ العامَّة للإصلاح:

نقرأ في نصِّ المشروع (نرى بأن خطاب ورسالة المَهمَّة الصادرين عن رئيس الجمهورية هما وحدهما اللذان يستجيبان لهذا الانشغال وهذا المطلب الأولي “المبادئ العامة”).

وهذا أخطر ما في الأمر، لأنه قفزٌ موصوف على الوثيقة القانونية الأولى للدولة وهي الدستور، الذي حسم المبادئ الكبرى التي يتأسس عليها المجتمع، وحكم للإسلام واللغة العربية أن يظلا ركيزة المجتمع ولحمته التي تحفظ وحدته، ثم أين بيان أول نوفمبر الذي يشكِّل الأساس التاريخي والشرعي للدولة الجزائرية الحديثة، كيف تم إهماله؟ ولماذا لم تتم الإشارة إليه؟ وأين قوانين الجمهورية الأخرى المحكومة بالدستور؟

وقريبا من هذا المعنى تلك الإشارة إلى (مكبوت مشروع مجتمع)، كأننا لسنا مجتمعا، حتى نبحث عن مجتمع جديد لا ندري ما هي مواصفاته، إلا أن يكون مجتمعا قائما على بضاعة مستورَدة، وُضِّبت في مكان ما خارج الجزائر!

الخلاصة، هل أدرك من أعدّوا المشروع أنهم بصدد تجريب أفكار غريبة، ولدت ونمت في بيئة أخرى، لها خلفيتها وخصوصيتها التي تختلف تماما عما هم بصدد التنظير له؟

أفلحت أمرية 1976 –على ما يعتريها من نقائص- في بناء مدرسة أساسية، تضمن حق التعليم لكل أبناء الجزائر، فهل يُعقل أن تُطمس كل تلك الإنجازات الثمينة استجابة لهوى أيديولوجي مستورَد ومبتور الصلة بمصالح وهوية هذا الوطن، هوى وجد طريقه إلى عقول بعض المتنفِّذين، فأرادوا فرضه قسرا على المدرسة، ومن ثمّ المجتمع؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!