تعلموا عن زاوية الشيخ بلعموري
لم تعد زاوية الشيخ بلعموري تكتفي بمهمتها الرئيسة المتمثلة في التعليم القرآني، بل أصبحت بحق، مؤسسة متكاملة، تعمل بأن تكون بها روضة للخطيب، وأخرى للأديب، وثالثة للعالم والطبيب، ورابعة للطفل النجيب…
كانت لنا زيارة لها منذ أيام، استقبلنا شيخها الوقور الممتلئ نشاطا وحكمة وذكاء، نذير بن يوسف، بحرارة وترحاب كبيرين… وأول ما شد انتباهنا، هو ذلك القسم الذي يتعلم به الطلبة الإعلام الآلي، وتلك المكتبة الوقفية الفسيحة التي بها شتى أنواع المؤلفات، من علوم القرآن الكريم، وفقه، وتفاسير، وتاريخ، وأدب، وثقافة عامة، وطب… وذلك الجو من السكينة والرحمة الذي يلف المكان، حيث يحفظ عشرات الشباب القرآن الكريم، ويتدارسونه.
وأنت تسمع تلاوتهم العذبة تتعالى قبيل صلاة العصر، لا تتمالك إلا أن تستحضر عظيم الدور الذي تقوم به هذه الزاوية، ومثيلاتها عبر الوطن. لقد خطَّت لنفسها الطريق الصحيح، بعيدا عن صخب المدن والحظائر، بإضراباتها وصخبها، ولهثها وراء المادة بلا حساب، بل وتجاوزت ذلك، إلى أن أصبحت تُقدم لنا جميعا الأنموذج الحي الذي ينبغي أن نأخذه قدوة، وقد اختلطت علينا السبل في ظل عولمة شرسة تسعى بلا رحمة لعزل الإنسان عن دينه وقيمه، بل وإلى سلب ما بقي لديه من إنسانية وحب للآخرين..
إنها مؤسسة تُعلِّم ما ينبغي أن تعلِّمه: بداية بالقرآن الكريم، ثم تنقل التلميذ إلى العلوم الأخرى المرتبطة بالتطور التكنولوجي، فيعرف في ذات الوقت اللوح الخشبي الذي كان أجداده يحفظون بواسطته كتاب الله، واللوح الإلكتروني الذي يجعل منه سلاحا له لا عليه.
وهكذا تعلمنا زاوية الشيخ بلعموري مرة أخرى، كيف يمكن أن نفكر في بناء الإنسان المتوازن، روحيا وماديا، غير المنفصل عن تراثه الديني، وجذوره التاريخية، القادر على أن يكون عالما أو أديبا أو خطيبا أو طبيبا، اليوم وغدا…
تُثَمِّن بطريقة فعّالة الإمكانات التي تَملك، تُعلِّم القرآن الكريم، وتنفتح على العلوم الأخرى، وتُنظم العمل الخيري، وتُصلح بين المتخاصمين، وتُنظم الوقف، وتَفتح أبوابها للمحتاجين والضعفاء، بكرم غير محدود…
بكلمة واحدة، تَتمكن من لعب دور المؤسسة التربوية المتكاملة، في الوقت الذي احتارت فيه الوزارات والهيئات الرسمية في ما عليها أن تفعله بالطفل، والتلميذ، والشاب.. بل ودفعت أساليبها العقيمة بهؤلاء أحيانا، إلى أن يَفقدوا العلم إن بحثوا عن الدين، أو يَفقدوا الدين إن بحثوا عن العلم.
وتلك لعمري أكبر خطيئة تقع فيها منظومتنا التربوية… فهلاَّ تعلمت على زاوية الشيخ بلعموري؟