-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تفعيل استراتيجية المعادن النادرة.. لماذا القرار الآن؟

تفعيل استراتيجية المعادن النادرة.. لماذا القرار الآن؟

تثمين الموارد المنجمية للبلاد في الوقت الملائم يُعَدُّ خيارا استراتيجيًّا ينبغي أن لا نستهين به. تتحدث وسائل إعلام عديدة عن امتلاك الجزائر لثروة منجمية هائلة لم يتم التنقيب عنها بعد ناهيك عن اتخاذ قرار بشأن تصنيعها واستخدامها أو بيعها في شكل مواد خام. تعمل بلدانٌ كثيرة على تغيير مكانتها الجيواستراتيجية فقط من اختلال الاستثمار في هذا المجال، وتُخطِّط أخرى لتستغل ثالثة كما اعتادت لتُحافظ على صناعتها ومدى تنافسيتها على الصعيد العالمي.

تناولت الكثير من وسائل الإعلام في المدة الأخيرة ما نشرته صحيفة “معاريف” في الكيان الصهيوني تحت عنوان “اكتشاف في إيران سيُغيّر ميزان القوى” لصاحبته “عنات هوخبرع ماروم” المختصة في الجغرافيا السياسية، وذلك خلال الحملة المتزايدة لتحضير ضربة عسكرية متوقعة ضد المنشآت النووية الإيرانية. وهذا يعني أن الموارد المنجمية غير البترول أصبحت رقما لا يُستهان به في الصراع الدولي، بل أنه يمكن القول إذا كان الصراع العالمي في القرن التاسع قد تحكمت فيه القوة الدولية التي سيطرت على طاقة الفحم أي بريطانيا، وفي القرن العشرين تحكمت فيه الولايات المتحدة التي سيطرت على سوق البترول، فإن الصين هي التي ستتحكم في هذا القرن لأنها تتحكم في المعادن والتربة النادرة. ويبدو أن الأمر أصبح واضحا اليوم من خلال التنافس الحاد إلى درجة التكالب على مَن سيفوز بأكبر كمية من مثل هذه المواد النادرة والحسّاسة ومَن سيتحكم فيها وقد أصبحت أساس مختلف الصناعات المتطورة وبخاصة الالكترونية التي لم يعد يخلو منها أي مجال من المجالات الاعتيادية أو الحيوية.

ولعل هذا ما كان يشير إليه مقال “معاريف” الخاص بإيران المتعلق بإعلان هذه الأخيرة في شهر مارس الماضي أنها اكتشفت ثاني أكبر حقل في العالم لمادة الليثيوم يحتوي على 8.5 مليون طن من هذه المادة التي تتحكم في صناعة كافة البطاريات وما تعلق بها من صناعات مدنية وعسكرية. وتُعدُّ هذه الكمية كبيرة إذ تُقدّر بـ10 بالمائة من الإنتاج العالمي، وتجعل إيرانَ البلدَ الثاني في الترتيب العالمي بعد الشيلي، سابقة بذلك أستراليا والأرجنتين بما يعني أنها ستُصبح لاعبا أساسيا في مجال الصراع على التربة النادرة في العالم. وإذا علمنا هيمنة الصين على أكثر من 70 بالمائة من الاحتياطي العالمي في هذا المجال، وأن منطقة Bayan Obo الجبل الغني وحدها تنتج 45 بالمائة من حاجات العالم، فإننا سنُدرك أهمية التحالف الصيني ـ الإيراني ـ الروسي فيما تعلق بمادة الليثيوم.

يطرح علينا هذا الواقع تحديا كبيرا بشأن تفعيل إستراتيجيتنا الوطنية في مجال التعامل مع الثروة المنجمية والتربة النادرة في بلادنا والقيام بخيار استراتيجي تتبعه قراراتٌ تنفيذية تتعلق بهذا الأمر. إن أي تأخر في هذا المجال يُفقدنا نقاطا كثيرة في حسابات صراع القوى، وفي احتلال مكانة لنا في مرحلة الانتقال الطاقوي القادم. لقد كانت مكانة الصين قبل ثلاثين سنة من الآن ضعيفة في هذا الجانب، ولكن اتخاذ قرار الاستثمار فيه في الوقت الملائم وتَحمُّلها تبعات آثاره البيئية والمجتمعية مكّنها من أن تتبوأ المكانة التي أصبحت عليها الآن.. كذلك نحن، يمكن لاكتشافاتٍ هامة وقرارات مُتعلِّقة بكيفية التعامل معها، أن تجعلنا في ظرف وجيز ننتقل من مصاف دول إلى أخرى. كل الظروف العالمية اليوم مهيأة لذلك، فقط علينا حسن اختيار شركائنا، والثقة في كفاءاتنا وقُدراتنا الداخلية لكي نحقق القفزة النوعية نحو الالتحاق بالأمم المتقدّمة صناعيا واقتصاديا. يمكننا ذلك، الآن وفي هذا الظرف بالذات، فلا نتأخر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!