-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الحكومة تصدر قرارا غير مسبوق ضمن تدابير قانون المالية التكميلي

تكليف شركات أجنبية بالمراقبة الجمركية للواردات والصادرات

الشروق أونلاين
  • 11804
  • 0
تكليف شركات أجنبية بالمراقبة الجمركية للواردات والصادرات
شركات أجنبية ستتكفل بالمراقبة الجمركية للصادرات والواردات..؟؟

قرر الرئيس بوتفليقة تعديل قانون الجمارك 79 ـ 07 الصادر في 221 جويلية سنة 1979، المعدل والمتمم، وإنشاء المادة 92 مكرر، يتم بموجب هذه المادة الجديدة إخضاع البضائع المستوردة إلى عملية مراقبة من طرف شركات تنشأ في الخارج لهذا الغرض، قبل إرسال تلك البضائع مهما كانت طبيعتها، إلى الإقليم الجمركي، أي إلى التراب الوطني.

  •  
  • وأمر بوتفليقة عن طريق قانون المالية التكميلي، بعد اختتام الدورة الربيعية للبرلمان حتى لا يتم تعديل القانون عن طريق الهيأة التشريعية، إسناد المراقبة الجمركية للبضائع إلى الشركات المتعددة الجنسيات الذي تضمنه قانون المالية التكميلي الذي دخل حيز التنفيذ يوم 26 جويلية الفارط، واضعا حدا نهائيا وغير مسبوق لحالات الفساد وتفشي ظاهرة الرشوة في قطاع الجمارك رغم المحاولات والمراسلات العديدة والمتعددة التي وجهت إلى كبار مسؤولي الدولة وآخرهم الرئيس الذي تحرك مخرجا سيف الحجاج بعد ترقب دام أزيد من 8 سنوات.
  • وجاء قرار الرئيس بوتفليقة ليضع حدا للجدل الدائر بخصوص عواقب إنشاء هذه الشركات ومدى إضرارها بالسيادة الوطنية، أم أنه قرار حكيم سيعود بالنفع والفائدة على الاقتصاد الوطني وسمعة الجزائر داخليا وخارجيا، التي تكون قد تضررت بفعل الكثير من الممارسات الشائبة المتعلقة بالتجارة الخارجية، فضلا عن الخسائر التي تقدر بملايير الدولارات التي تكبدتها الخزينة العمومية، ليقرر بوتفليقة تحويل صلاحيات الجمارك الجزائرية المتعلقة بمراقبة وفحص البضائع إلى الشركات المتعددة الجنسيات، وهذا بعد دراسة متأنية وعميقة لكل المقترحات وآراء المختصين لسنوات متعددة ومنها الآراء الصادرة عن خبراء المنظمات والهيآت الدولية المعنية ومنها المنظمة العالمية للتجارة والمنظمة العالمية للجمارك وصندوق النقد والبنك العالميين، كون موضوع تحويل الصلاحيات هذا تم طرحه لأول مرة بداية التسعينات من القرن الماضي، ولكنها تأجلت لجملة من الأسباب الموضوعية ومنها رفض نخبة جهاز الجمارك للفكرة التي كانت تعتبر في نظرهم تعديا صارخا على مهامهم الأساسية وتمس بصميم وجودهم كجمركيين في خدمة الدولة وحماية الاقتصاد الوطني ويعني في المقام الأول مراقبة وفحص البضائع عند الاستيراد وعند التصدير على حد سواء، إلا أن بعض اللوبيات استغلت هذه النية الحسنة للاغتناء غير المشروع على حساب المجموعة الوطنية.
  • وبدون التعريج على قانون الجمارك 79 ـ 07 الصادر في 221 جويلية سنة 1979، وآلياته وإجراءاته الشديدة التعقيد، فإن النقطة التي نعنيها اليوم، هي المادة 92 مكرر التي تضمنها قانون المالية التكميلي التي تعد بمثابة لجوء الرئيس إلى واحدة من صلاحياته الدستورية وهي التشريع بأوامر قانونية، وتنص المادة الجديدة على أنه وبعد تسجيل التصريح المفصل، يقوم أعوان الجمارك بفحص كل البضائع المصرح بها أو جزء منها إذا دعت الحاجة لذلك، وهذا مقابل إتاوة تتراوح قيمتها بين 1 و2 بالمائة من قيمة البضائع المصرح بها حسب الاتفاق المسبق مع الدولة الجزائرية، وعليه فإن المادة الجديدة التي أضيفت لقانون الجمارك، قد جردت وبصفة مباشرة رجال الجمارك من صلاحياتهم المتعلقة بمراقبة وفحص البضائع من حيث النوع والقيمة والكمية وبلد المنشأ، وتحويل تلك الصلاحيات، إلى شركات أجنبية تسمى في القانون الجديد بـ”الشركات المعتمدة للمراقبة” والموجود مقرها بالخارج.
  • ومن المتعارف عليه دوليا أن هذه الإجراءات القاسية لا يتم اللجوء إليها من طرف دولة من الدول مهما كانت، إلا في حالات قسرية جدا ومنها عجز دولة من الدول على الوفاء بالتزاماتها الدولية إتجاه دائنيها، وهي الوضعية التي لا تنطبق على الحالة الجزائرية التي تتوفر على نوع من الصحة المالية المقبولة بالنظر إلى حجم اقتصادها وعدد سكانها.
  • ويرى خبراء الجمارك وبعض الهيآت المالية الدولية والمنظمة العالمية للجمارك، إن اللجوء إلى هذه الحالة القصوى، يكون عندما تعاني دولة من الدول من حالات رشوة وفساد متقدم لقطاعها الجمركي تفوق نسبته 90 بالمائة بالمقارنة مع الحالات العادية، وهو ما يدفع للسؤال هل بلغ الحال بالجمارك الجزائرية إلى هذه الصورة المتقدمة جدا من التعفن حتى يقرر رئيس الجمهورية شخصيا أخذ الملف بيده والتعامل معه بمعرفته خلال العطلة الصيفية، بدون ترك فرصة للبرلمان والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين ومنظمات أرباب العمل والأجهزة الدستورية للبت في الموضوع، وخاصة بعد ما بلغه من إحصائيات بالأدلة الموثقة من أجهزة داخل وخارج الوطن تكشف بشكل واضح درجات الفساد والغش في بعض الأجهزة في محيط التجارة الخارجية والجمارك.
  • وسبق سنة 2000 تداول هذا الإجراء، ولكنه رفض جملة وتفصيلا، وعليه يمكن القول ما هو الجديد الذي جعل الرئيس بوتفليقة يغير رأيه وينتفض بهذه الحدة هذه المرة ويلجأ إلى صلاحية التشريع بأمر رئاسي غير قابل للطعن في هذا الوقت بالذات؟ وهل رسخت لدى الرئيس قناعة كاملة بعد كل هذه السنوات بأن الفساد عشّش في جهاز الجمارك إلى الحد الذي أصبح معه الحل الوحيد هو البتر وليس الكي، وأن إدارة الجمارك الجزائرية أصبحت خطرا على الاقتصاد الوطني، بفعل ارتفاع نسبة الرشوة، أم أنه عجز عن إحداث التغيير الجذري في هذه المؤسسة وتطهير صفوفها من الشوائب التي أضرت بسمعة وشرف هذه المؤسسة السيادية وبسمعة البلد محليا وخارجيا، علما بأن الرئيس بوتفليقة، كان قد جعل من أولويات عهدته الأولى تطهير قطاع الجمارك وقطاع التجارة الخارجية التي كادت أن تسيطر عليها مافيا الاستيراد، كما كان قد وجه انتقادات حادة لإدارة الجمارك خلال مختلف الاجتماعات والمناسبات، قبل أن تنطفئ تلك الفورة، قبل أن تظهر هذه المرة بشكل أكثر حدة وهو تجريد رجال الجمارك من صلاحياتهم بشكل نهائي، وكأن لسان حاله يقول “طفح الكيل”، وهو ما دفع ببعض أصحاب النوايا الصادقة في جهاز الجمارك، إلى التنبيه لضرورة الحذر الشديد من بعض المكائد لأصحاب النفوس المريضة داخل أجهزة الدولة ومن محيط الرئيس نفسه، الذين يريدون أن يجنوا منافع مادية كبيرة جدا بالمشاركة مع هذه الشركات المتعددة الجنسيات بأسماء مستعارة كما جرت العادة في كل مرة، لأن زيادة الأعباء سيتحملها في نهاية المطاف المواطن الجزائري رغم إنه لا دخل له في هذه الحرب.
  •         
  •  ماذا تجني الجزائر اقتصاديا من المادة 92 مكرر؟
  • تعد مساهمة مداخيل الجمارك في الجباية العادية، مساهمة حيوية جدا، حيث بلغت 40 بالمائة من إجمالي الجباية العادية في بعض السنوات، وهو مبرر يعد كافيا للحفاظ على هذا المصدر المهم من مصادر الجباية العادية، الذي سيتراجع بشكل ألي عندما تصبح مهمة المراقبة بيد الشركات الأجنبية، ولكن بالقياس إلى مدى الخسائر التي تتكبدها الخزينة العامة سنويا بسبب مافيا الاستيراد ونقاط الظل الخطيرة جدا في نشاط التجارة الخارجية، يصبح من المفيد جدا للجزائر ولاقتصادها والحفاظ على سمعتها اللجوء إلى هذه الخطوة كآخر مرحلة من مراحل العلاج، على الرغم من أن الأرباح التي ستجنيها شركات المراقبة الأجنبية تتراوح بين 500 ومليار دولار سنويا بحسب المبلغ الإجمالي لحجم التجارة الخارجية للجزائر، والتي بلغت 118 مليار دولار سنة 2008 على سبيل المثال، منها 78 مليار دولار صادرات، وحوالي 40 مليار دولار واردات.
  • وتشير بعض الوثائق الهامة التي بلغت الرئيس بوتفليقة في مناسبات عديدة خلال السنوات الفارطة، إلى أن الفساد وتهريب المال العام والرشوة والمحاباة والمحسوبية بلغوا درجة متقدمة من العفونة التي أصبحت تزكم الأنوف، ولا مجال للصمت عنها من صاحب ضمير حي، ومنها قضية تحويل وتهريب العملة الصعبة عن طريق التزوير في محررات تجارية وجمركية، سببت للخزينة العامة خسائر تجاوزت 6800 مليار سنتيم، خلال أربع سنوات فقط، بالإضافة إلى قضايا الفاسد المحيطة بتصدير النفايات الحديدية وغير الحديدية التي سببت وتسبب خسائر متواصلة للخزينة العامة قدرت بـ10 ألاف مليار سنتيم، وقضية استيراد أجهزة إلكترومنزلية وثلاجات بقيم جمركية مزوّرة سببت للخزينة العامة 8000 مليار سنتيم، واستيراد تجهيزات كهربائية بنظام “سي. كا. دي” و”أس. كا. دي”، والتي ألحقت بالخزينة العامة خسارة مقدرة بـ10 ألاف مليار سنتيم، فضلا عن سلسلة متواصلة من العمليات التجارية الخارجية المخالفة لقواعد مراقبة حركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، فضلا عن التهديد بالقتل لكل من تسوّل له نفسه كشف هذه الممارسات الإجرامية الخطيرة وهو ما كشفت عنه مراسلة موجهة من مصالح أمنية فرنسية على القيادة العامة للدرك الوطني، تخطرها بضرورة التحرك من أجل التحقيق في قضية تهريب كميات كبيرة جدا من النحاس الصافي الذي سرق من الجزائر وهرب إلى فرنسا بدون علم إدارة الجمارك الجزائرية، وهذه المواقف والأحداث هي جزء بسيط فقط من العمليات المتعددة لتحطيم وتخريب الاقتصاد الوطني أمام أعين جهاز الجمارك الوطنية المكلف قانونا بحماية الاقتصاد الوطني، والحفاظ على سمعة الجزائر محليا وعلى الصعيد الدولي عدم ترك الفرصة مناسبة للهيئات والمؤسسات الدولية لانتقاد الجزائر أو تطبيق بعض البنود التي قد تنقص من سيادتها، رغم بعض التفاوت في مواقف بعض المنظمات ومنها منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك العالميين والمنظمة العالمية للجمارك من قضية تحويل الصلاحيات لشركات أجنبية.
  • وتشير قوانين منظمة التجارة العالمية، إلى أنها تتحفظ جدا على تحويل صلاحيات رجال الجمارك التقليدية في العالم بموجب اتفاقات إلى شركات خاصة، ونعني في هذا المجال، مراقبة وفحص البضائع من حيث النوع والقيمة والكمية والمنشأ، من قبل شركات أجنبية مقابل عمولة، وهذا ليس من أجل سواد عيون الدول الأعضاء، ولكن لأن قوانين المنظمة تنص على حرية تنقل البضائع والخدمات بدون قيود جمركية معقدة وترك قيمة البضائع حرة طليقة وفي حالة الاشتباه تتحرك الحكومات مباشرة للقيام بعملية المراقبة البعدية بفعل الاتفاقات الدولية الموقعة، وبالتالي فإن المراقبة القبلية مرفوضة من قبل المنظمة مهما كانت معقدة أو بسيطة، ويقول خبراء المنظمة أن هذه الشركات تزيد من أعباء وتكاليف السلع والخدمات.
  • وترى المنظمة العالمية للجمارك، من جهتها، أن لا جدوى من اللجوء إلى تعيين شركات خاصة للمراقبة وفحص البضائع، حيث تفضل هذه المنظمة العالمية، فكرة التكوين الجيد للجمركيين وتحسين إطار معيشتهم من أجل عدم وقوعهم في فخ الرشوة، بالإضافة إلى تحسين مستوى تجهيزات المراقبة على الحدود، وتطوير أدوات مراقبة السلع والمنتجات المقلدة ومكافحة التهرب والغش الجبائي والجمركي.
  • ويذهب البنك العالمي إلى أبعد من ذلك في موضوع شركات المراقبة، حيث كان ولا زال يحارب دائما في لوائحه وتشريعاته كل الحواجز الجمركية، مهما كانت طبيعتها ودرجتها، من أجل تسهيل حركة السلع والخدمات، وإضفاء الفعالية الاقتصادية على التجارة الدولية وتحرير الأسعار على حساب إيرادات الدول، كما أن البنك كافح ويكافح من أجل تبسيط التعريفة الجمركية وتخفيض قيمتها، ولو كان ذلك على حساب البلدان الفقيرة والنامية، لأن ما يهمه هو مصالح اللاعبين الكبار وليس الدول النامية التي أنهكها الفقر والفساد، وهو الموقف الذي يقاسمه مع صندوق النقد الدولي الذي يحبط تجريد رجال الجمارك من صلاحياتهم، وفي حال تفشي ظاهرة الرشوة والفساد وانحلال أخلاق رجال الجمارك إلى درجة تهدد مصالح الدول، فإن صندوق النقد الدولي يوصي بتحويل صلاحياتهم إلى شركات المراقبة الخاصة، تطبيقا لقاعدة أخف الأضرار، وهو ما يدفع لطرح سؤال جوهري وخطير، هل وصل الأمر بالجمارك الجزائرية إلى هذا الحد، هل أصبحت ممارسات بعض العناصر تشكل خطرا على المصالح القومية للبلاد؟ أم أن الرئيس كان ضحية لمحيطه مرة أخرى، كما كان الحال مع قانون المحروقات، قبل تعديله.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!