-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تواصل… أم قطيعة؟

حسن خليفة
  • 277
  • 0
تواصل… أم قطيعة؟
ح.م

اشتهرت على الألسنة والأقلام جملة “وسائل التواصل الاجتماعي” ويقصد بها هذه الوسائط التكنولوجية المتعددة التي صارت وسائل تدفعنا إلى الانخراط في عالم افتراضي فسيح، من خلال منصات تسمح للبشر بالتواصل مع بعضهم، على بعد المسافات، واختلاف في الأمكنة والأمزجة والميول والتوجهات.

 كما باتت ـ أيضا ـ وسيلة لنشر الأخبار والآراء وطرح الأفكار والرؤى، وكثيرا ما كانت هذه الوسائط سببا في إحداث “صداع” للأنظمة والنخب الحاكمة، وقد وصل الأمر أن كانت هذه الوسائط (الواتساب) سببا في إطلاق شرارة “الثورة” في لبنان التي تكاد اليوم تعصف بالبلد.

على أنني أريد في هذه السطور الحديث عن الوجه الآخر، إن صحّ التعبير، في ما يتصل بهذه الوسائط الاجتماعية وما يرتبط بها كالهواتف واللوحات والإنترنت بصفة عامة، والحرص عليها من البعض إلى درجة الإدمان؛ حيث لا يمكن تصوّر العيش ليوم أو لساعات دون هاتف مثلا. ويصدق هذا على الرجال والنساء، بل وحتى الأطفال. أريد عرض الأمر هنا عن طريق قصة طريفة رواها الأستاذ الصحفي عثمان أبو زيد *، قال:

وأنا في المطار.. أدخلتُ يدي أتحسس الهاتف. لم أجده، لقد نسيتُه… كنتُ متوجها إلى المدينة المنوّرة للمشاركة في ندوة علمية بالجامعة. تذكرة الطائرة موجودة في (الجوال)، وكذلك نص المحاضرة التي سأقدمها في الملتقى، بل وهناك كلمة الضيوف التي شُرفت بتقديمها من منظمي الملتقى. لقد فقدتُ هذه الأشياء دفعة واحدة، وزيادة على ذلك فقدت إمكانية التواصل مع الآخرين، ومنهم مندوب الجامعة الذي ينتظرني في المطار بعد وصولي!

يا للمفاجأة غير السارة.

فكرتُ أن رحلتي فشلت، وأن عليّ العودة من حيث أتيتُ، ولكنني تمالكتُ نفسي وأخبرت الموظف بما حصل لي. فاستخرج لي، مشكورا، بطاقة الصعود إلى الطائرة.

توجهت إلى الطائرة وكان الموظف يمزح معي بقوله: لكن هل يجوز السفر من غير تلفون؟

وأنا في مقعد الطائرة تذكرت الحالة التي يسميها الأمريكيون (نوموفوبيا) والمقصود بها: رُهاب البعد عن الجوال.

فور وصولي اشتريتُ ساعة، وكنتُ طلقت ساعات اليد منذ سنوات، وأوصيتُ موظف الاستقبال في الفندق بإيقاظي مع أذان الفجر، مع أنني لم أكن محتاجا إلى ذلك؛ فأذان المسجد النبوي الشريف يوقظك مرتين: مرة عند الأذان الأول، وأخرى عند الأذان الثاني.

وفي الملتقى قدمتُ مشاركتي من الرأس لا من الجوال، ولعلها كانت أكثر توفيقا مما لو ألقيتها بمساعدة الهاتف.

شعرتُ بأن عدم وجود الهاتف منحني فرصة للجلوس وقتا أطول للعبادة، والمشي. واكتشفت وجود معارض حول المسجد النبوي تستحق الزيارة فزرتها. إن البقاء مع الهاتف في سلوك إدماني يمنع عنا أشياء كثيرة.

وخلصت إلى أن ما يسمى التواصل الاجتماعي هو في الحق “عدم تواصل اجتماعي” أو هو انقطاع اجتماعي؛ فالناس محجوبون خلف شاشات تلفوناتهم لساعات، ويخاطبون بعضهم بطريقة (غير مباشرة). حتى داخل الأسرة الواحدة ندرت أوقات الحوار الإنساني المباشر، وضعُف التواصل الحميم الدافئ؛ فالكل منشغل ومنخرط في عالم افتراضي هو أقرب إلى أن يكون هروبا من العالم الواقعي الحقيقي. ويُعلم ما ينجرّ عن ذلك من آثار سيئة.

لقد أدركتُ بعد يومين من البقاء خارج الشبكة أن اعتمادنا على هذه الوسائط يفقدنا طاقتنا الذاتية وحيويتنا، وأهم ما نفقده التركيز، بل لقد أدركت أن النوم أفضل من هذه الـ”نوموفوبيا”.

لنجرب الابتعاد عن هذه الهواتف لساعات.. أو لأيام. وسنرى الفروق والفوائد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!