الرأي

توريثٌ أسوأ من المملكة

ح.م

مجريات المحاكمات الماراتونية التي طالت رجال مال وأعمال وسياسة منذ فترة، أكدت مرضا مزمنا وعضالا، تعانيه الجزائر منذ الاستقلال ويستفحل من يوم إلى آخر، حتى تخاله قد بلغ درجة الحالة الميؤوس من شفائها، ويتمثل في توريث الإخوة والأبناء وحتى الزوجات والصديقات، ما “منّ به الله” من غنائم معارك، ضد الخير والشرف والعزة والكرامة، فلا يكاد يكون لكل تهمة ضمن الملفات المفتوحة، متهمٌ وشقيق أو ابنة أو سكرتيرة خاصة، بعضهم لا يكتفي بأخذ “الإرث” غير الشرعي فقط، وإنما يدخل كشريك فيه، ويقيم لنفسه إمبراطورية أكثر جاها من إمبراطورية والده، كما كان الشأن مع ابنة الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال.

وإذا كانت مختلف المؤسسات العمومية بما فيها العملاقة مثل سوناطراك وسونلغازوالجوية الجزائرية، وحتى ذات البُعد الديني والثوري، قد أقرّت بعض الممارسات التوريثية التي تمنح لابن المدير وأهله امتيازات الأب المادية والإدارية، وتجعل “ابن البط عوّام”، بالضرورة، فإن انتظار الفرج من المؤسسات الخاصة هو انتظار سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، أما إذا وصل التوريث إلى ما تابعناه من منح الأبناء أراضي بحجم دول صغيرة ومنح منتفخة بالعملة الصعبة للتكوين في الخارج، ومناصب عليا وحساسة يكدّ لأجلها الرجال من أهل الكفاءة والإخلاص ولا يبلغوها، فمعنى ذلك أننا نعيش في جمهورية لا فضيلة ولا أفلاطونية فيها، بل إنها أسوأ من حكم الملوك، الذين هم دائما إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة.

لا يوجد أحسن من القرآن الكريم عبرة، فقد بيّن لنا بأن ابن النبي ليس بالضرورة صالحا، كما كان حال ابن سيدنا نوح، ولا شقيقه، كما كان حال إخوة سيدنا يوسف، ولا زوجته كما ابتلي سيدنا لوط، وبيّن لنا في المقابل بأن ابن الجبّار والظالم ليس بالضرورة طالحا، كما كان حال إبراهيم ابن الطاغية آزر، أو الزوجة الفاضلة لزاعم الربوبية فرعون، وللأسف منحتنا الكثيرُ من الأنظمة الغربية المعاصرة، نماذج فاضلة أيضا عجزنا نحن عن تطبيقها، فلا تمنح المكان المناسب إلا للذي يستحقه، فتنفس من هوائها من حرمتهم “المملكة” هنا من حقهم في الأوكسجين فكانت النتيجة تناقضا صارخا في الجزائر، بين كفاءات في القارات الخمس تصنع الربيع هناك، وعائلات تقتسم الثروة وتصنع الرعد والريح والزمهرير هنا.

قد نجد بعض العذر للخبَّاز أو صاحب مطعم أو محل للميكانيك أو النجارة أو الخياطة… يحيط نفسه بأبنائه وأشقائه لتقديم الخدمة للآخرين حتى ولو كان هؤلاء من دون حرفة ولا خبرة ولا كفاءة، وقد نعذر من يساعد عشيرته وأهل “الدوّار” على أن يكونوا في وزارته لحماية امتيازاته وليس عمله مقابل لحس شهد الزّير، لكن أن يتحوّل الأمر إلى أسلوب حياة يطبِّقه الجميع من قاع الهرم إلى قمَّته، كل في موضعه، فهذا يعني بأن الفساد قد ظهر في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس.

مقالات ذات صلة