جواهر
وجهات نظر

“تِسْلَمْ الأَيَادِي” التّي لم تسْمَعْهَا مِنْك!

أماني أريس
  • 1313
  • 6
ح.م

بلغة لا تخلو من السّخرية والاستهجان؛ وصلت ظاهرة تصوير ونشر المرأة للطّعام الذي تعدّه عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى منابر الفتوى، وخضعت لثنائية التحليل والتحريم، وراح كلّ يدلي بدوله في الموضوع ويفسّر أسبابها، ففيما يرى البعض أنّها أحد وجوه التفاخر بين معشر “النسوة “، يلحقها آخرون بمرض السيلفي الذي انتقلت عدواه إلى الجميع رجالا ونساء، كبارا وصغارا وشمل كل شيء، جميلا أو قبيحا، مباحا أو محظورا، وحطّم حصون الخصوصية، وضرب حرمات البيوت والأشخاص عرض الحائط.

هذه التفسيرات كلّها صائبة لكنّها تبقى نسبية كونها لا تصل بعمق إلى السّبب الحقيقي الذي يجعل امرأة تحرص على تصوير سفرة طعامها المرتبة بإتقان، وتكشّر غاضبة من يد امتدت إليها، وسبقت لحظة اشتعال الهاتف والتقاط الصّورة.

من يدرك حجم الرضى والسرور الذي قد يغمر قلب امرأة عندما تقرأ تعقيبات طيّبة على طعامها الذي أتقنت إعداده، أو ديكور بيتها الذي تفنّنت في ترتيبه، أو أي شيء آخر اجتهدت في عمله…يمكنه أن يفهم سبب الظاهرة… إنّه البحث عن الشّعور بالذات. إذ قلّما يكتسب الفرد تقدير ذاته من ذاته، والغالب هو أن يكتسبه من تقدير غيره له نظير ما ينجزه ولو في أبسط المجالات.

لكننا للأسف نفتقد لثقافة التقدير والتشجيع وتقديم الشكر لمن اجتهد وتعب، وهو حال امرأة قضت أكثر من ثلاث أو أربع ساعات تعدّ الطّعام خصوصا في شهر الصيام، وحرصت على إرضاء كلّ الأذواق والمزاجيات، وتفنّنت في تزيين الطاولة، لتمتدّ إليها الأيادي وتأتي على ما فيها دون أن يلتفت أحد إليها بكلمة شكر وعرفان.. ولو مجاملة.

برأيي هو سبب كاف ليجعل المرأة تبحث عن إطراء يرفع معنوياتها، ويكسِبها الشعور بذاتها، في عصر أتيحت فيه وسائل البحث عن الذّات وبشتى الطرق والأساليب. وإنني لا أبالغ حينما أقول “ربّ امرأة تحصل على بعض التعليقات في مواقع التواصل تمدح إنجازاتها المطبخية يكسبها سعادة ورضى تنسيها تعب اليوم، ويشجّعها على الاجتهاد وتقديم الأفضل.”

وحدها تقنية التصوير والنّشر؛ أتاحت للكثيرات سماع عبارة “تسلم الأيادي” التي اشتاقت أن تسمعها من أبناء أو زوج تنعدم في قاموس حياتهم عبارات التقدير والشّكر.

مقالات ذات صلة