الجزائر
تفكيك العصابة وحماية الحراك وتنظيم الانتخابات

ثلاث محطات فارقة في حياة الفريق

محمد مسلم
  • 5530
  • 11

في لحظة فارقة وعلى حين غرة، غادر نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، الحياة الدنيا إلى الدار الباقية، غادرها وهو مطمئن، وقد وضع البلاد على السكة الدستورية، مجنبا إياها انزلاقات كانت تتهدد وحدة الجزائر واستقرارها الأمني والمجتمعي.

اسم المرحوم سينقش على صفحات التاريخ كمنقذ للجزائر من “العصابة” التي عاثت في الأرض فسادا، ومن مخاطر الفراغ الدستوري الذي كان يتهدد الدولة، ومن صدام كان يمكن أن يقع مع الآلاف من الجزائريين الذين ينزلون إلى الشارع كل جمعة.

في البدايات الأولى للحراك الشعبي، وبينما كانت رموز العصابة تلملم شتاتها من هول صدمة سقوط مشروع العهدة الخامسة، خططت للإيقاع بين الجيش والشعب على أمل استعادة الإمساك بزمام المبادرة، من خلال سعيها إلى إرباك الجيش عبر إحداث تغييرات مفاجئة في قيادته، وذلك عبر الإتيان بقائد جديد ينصاع لأوامرها.

كانت المؤامرة وفق اعترافات أحد المتورطين فيها، وهو وزير الدفاع الأسبق الجنرال الفار من العدالة، خالد نزار، تتمثل في إزاحة قائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، غير أن رد فعل المؤسسة العسكرية كان حاسما وصارما، فقد اضطرت إلى معالجة الداء عبر استئصاله.

وكما هو معلوم، فقد كانت العصابة تخطط لفرض حالة الطوارئ، ومن ثم خلق المبررات القانونية لقمع الجزائريين في الشوارع، كما حصل في تسعينيات القرن الماضي، غير أن إفشال تغيير قيادة الجيش، حال دون وضع الخطة قيد التجسيد، وفي هذا الصدد، يرى مراقبون أن شخصية وحضور وصرامة الراحل، قايد صالح، ساهمت بقسط وافر في إفشال هذا المخطط.

ومنذ ذلك الحين، كان قائد الجيش يؤكد في خطاباته على أن المؤسسة العسكرية ستوفر الحماية للمتظاهرين، بعد ما كان يحضر لها أن تكون في مواجهة الحراك الشعبي.. ولم يكن هذا الوعد مجرد فقاعة، بل تجسد على مدار العشرة أشهر الأخيرة، حيث لم ترق قطرة دم واحدة رغم الأجواء المشحونة، وهذا أمر نادر الحدوث، بل غير مسبوق، حتى في الدول التي تدعي العراقة في الديمقراطية، ولعل ما يحدث في باريس ومختلف المدن الفرنسية، كل سبت، خير دليل، فالآلاف من أصحاب السترات الصفراء يقبعون اليوم في السجون الفرنسية.

البلاد سبق لها وأن عاشت في بداية تسعينيات القرن الماضي وضعا مشابها لما تعيشه اليوم، غير أن مرحلة التسعينيات سالت فيها دماء غزيرة، عكس المرحلة الراهنة، وهذا يكشف طينة وقيمة قائد الجيش المتوفى، التي افتقدت في التسعينيات.

المسألة الأخرى التي تبين أيضا حنكة الراحل، هو إصراره على تجاوز الفراغ الدستوري الذي تسببت فيه ممارسات النظام البائد، من خلال إصراره على تنظيم الانتخابات الرئاسية، فقد ظل في كل مرة يؤكد على أهمية الانتقال من رئاسة الدولة إلى رئاسة الجمهورية عبر آلية الانتخابات، رافضا الانزلاق إلى مطبّات المراحل الانتقالية، وقد تمكن من تحقيق هذا الهدف وعايش نشوة انتصاره، قبل أن يخطفه الموت بضعة أيام بعد تنصيب الرئيس الجديد..

مقالات ذات صلة