-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“ثورة”..دار دار..زنقة زنقة !

جمال لعلامي
  • 1944
  • 0
“ثورة”..دار دار..زنقة زنقة !

قد تكون الذكرى الـ 61 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر، فرصة ومناسبة لاستنساخها وتكرارها..لتندلع “ثورة” على الذهنيات والعقليات البائدة، و”ثورة” على الأفكار الجامدة، و”ثورة” في التقليد الأعمى الذي أضرّنا ولم ينفعنا، و”ثورة” ضد ضرب المعنويات، و”ثورة” ضد من يتآمر ويتخابر في محاولة لاستهداف الاستقرار ووحدة الأمة، و”ثورة” اقتصادية وتجارية واجتماعية ومجتمعية وأخلاقية وعلمية ومدرسية ومالية.

نحتاج أيضا إلى “ثورة” لا تنسينا ثورة التحرير الوطني، ولا تنسينا “الثورة” ضد الإرهاب، وضد الخوف والعنف والتطرّف، و”ثورة” تجعلنا لا نتنكـّر لحسنات وتضحيات الأوّلين والسابقين، الأحياء منهم والأموات، و”ثورة” تعيدنا إلى بعضنا البعض وتطفئ الخلافات والحساسيات، و”ثورة” نفسية تردّ الاعتبار للمنسيين و”المقصيين” والمعذبين في الربوات المنسية !

كم نحن بحاجة إلى “ثورة” نـُقنع بها آلاف الإطارات والكوادر الهاربة والمهاجرة، وآلاف الشباب الذين ركبوا “قوارب الموت” ضمن حملة أو هملة “الحراقة”، التي إمّا أنها انتهت بهم في أعماق البحار حيث “كلاهم الحوت”، وحققت أمنيتهم بأن “الدود ماكلاهمش”، أو أوصلهم إلى “الجنة الموعودة”، فوجدوا أنفسهم نياما تحت الجسور في عزّ الحرّ والبرد !

لعلنا بحاجة إلى “ثورة” تجعلنا ننهي المشاريع التنموية في آجالها، وننقذ المشاريع المتأخرة، ونحيي المشاريع الميتة والموؤودة حيّة ترزق، و”ثورة” تردّ الاعتبار للانضباط وللوقت وقيمته، فتتوقف عمليات سلب ونهب هذا الوقت الذي لم يجن من عندنا سوى ترديدنا صبح مساء: الوقت من ذهب إن لم تقطعه قطعك !

ألسنا بحاجة يا جماعة الخير إلى “ثورة” أخلاقية، تعيد الشارع والمجتمع والعائلة إلى الزمن الجميل؟ حيث كان الابن يحترم أبيه، والجار فعلا قبل الدار، وكانت العائلة صوتا واحد موحدا، وليس مثل اليوم، حيث الابن قتل أباه، والأب استباح عرض ابنته، والعياذ بالله، والأخ نهب أرض أخيه، وأصبح المقرّب وصديق العائلة غير مؤتمن الجانب على الابن والأم والزوجة والصاحب، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

فعلا، نحن بحاجة ماسة، اليوم قبل الغد، إلى “ثورة” تعيد الأمل المقتول، وتعيد ربط علاقاتنا ببعضنا البعض، فتنتهي “سرقات” التاجر والثري والبزناسي والسياسي والسمسار ورجل الأعمال و”البقارة” وأصحاب “الشكارة”، ولا يُستباح حتى صندوق الزكاة فيتعرض للسرقة داخل بيوت الله، فصدقوا أو لا تصدقوا، أننا فشلنا في قيادة “ثورة” ضد هذه النفس الأمارة بالسوء !

نعم، نحن كلنا بحاجة إلى “ثورة” داخلية، تعيدنا إلى أنفسنا، حتى لا ننسى أنفسنا ونفسنا ومن يُحيط بنا وحولنا، و”ثورة” تسمح لنا بأن نعاقب نفسنا بنفسنا، وحتى إن كان المثل يقول “ألـّي ضرباتو يدو ما يبكيش”، إلاّ أننا بحاجة اليوم قبل الغد إلى يدنا تضربنا يمينا وشمالا حتى نستفيق من النومة التي تجعلنا لا نقيّم طاقاتنا وكفاءاتنا ومؤهلاتنا.

الثورات المعنوية في أغلب الأحيان أهم وأبقى من الثورات “الحربية”، وقد ضيعنا الكثير من الوقت والجهد، على “ثورات” غير نافعة، بعضها في الكلام الزائد والطائش، والبعض الآخر في الخلافات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وبعضها في تتفيه وتسفيه الآخرين، والبعض الآخر في السطو على انتصارات الآخرين وعدم الاعتراف بجميلهم !

المشكلة، يا جماعة، تبدأ بالفرد أولا، ثم تنتقل إلى الأسرة، فالشارع، فالمجتمع، وأروع انتصار وأكبر “غنيمة حرب”، هي أننا ننتصر على دواخلنا التي تقلد ولا تنتج، وتنتقد ولا تبدع، وأحيانا تكسر ولا تبني، وأننا نهزم الوسواس الخناس الذي يسكن هؤلاء وأولئك، ويجعلهم يغرقون في كأس الأحقاد وتصفية الحسابات وفرملة القطار أو وضع الحجر تحت العجلات !

أجمل “الثورات” أن نقود “ثورة” عادلة في المدرسة والجامعة، وقبلهما في العائلة، فتعود الأخلاق، و”الحشمة” ونخلّص التربية من “التغبية”، وهذه “الثورة” إذا رُميت للشارع سيحتضنها دون أدنى شك الشعب، فمن منّا لم يدفع ثمن هذا التراجع الخطير في الدين والقيم والأخلاق والابتعاد عن كلّ ما هو جميل في عاداتنا وتقاليدنا الموروثة أب عن جد؟

“الثورة” هي أيضا أن تحارب نفسك قبل أن تحارب غيرك، وأن تغيّر نفسك قبل أن تغيّر غيرك، وإذا أفلحنا في هذا المسعى المقدّس، سننتقل إلى مرحلة جديدة، تجعلنا نرى ولا نحلم، ونلمس ولا نتخيّل، وتزيح عنّا غمّة الاتكالية والنرجسية والاتكال والإهمال واللامبالاة والتكاسل والتقاعس والتسكـّع..فاللهمّ حولينا ولا علينا..آمين.       

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!