الرأي

“جائحة إعلامية” تمهد لعولمة “الهندسة الاجتماعية”

حبيب راشدين
  • 2208
  • 23
ح.م

مع كل التهويل المنهجي المتصاعد حيال حصيلة وباء كورونا، فإن التدقيق في ما تنشره الدول، ومنظمة الصحة العالمية من إحصاءات لعدد الإصابات، وخاصة لعدد الوفيات، لا يبرر هذا الحجر العالمي غير المسبوق لقرابة نصف سكان المعمورة، قاد حتى الآن إلى توقيف الدورة الاقتصادية في دول مجموعة العشرين، المنتجة لقرابة أربعة أخماس الدخل العالمي الخام، بتداعيات خطيرة، أنتجت في الولايات المتحدة وحدها إحالة عشرة ملايين عامل على البطالة، في بحر أسبوعين.

حتى الآن لم أطلع على تقريرين متطابقين لخبراء أجمعوا على تفسير نسب الوفيات في دول متقدمة مثل: إيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، يفترض أنها تتوفر على أفضل نظم صحية في العالم، أو تقديم تفسير مقنع لنجاح الصين وكوريا الجنوبية في تطويق الوباء، وضعف نسب الإصابات والوفيات في دول آسيوية مثل: الهند، وإندونيسيا، وباكستان، ودول شرق آسيا.

ثمة تصريح رسمي للمستشار العلمي للحكومة الايطالية تكتم عنه الإعلام، يقول إن ما ينسب من وفيات لفيروس كوفيد، لا يزيد عن 12 بالمئة مما يعلن من وفيات، وبتعميم هذا الرقم على ما نشر من إحصائيات على المستوى العالمي، فإن عدد الوفيات المحسوبة على كورونا فيروس على المستوى العالمي، لا يزيد عن 6000 ضحية وليس 50 ألف المعلن، وهي نسبة أقل بكثير من الوفيات المسجلة في نفس الفترة في العالم، للوفيات من الأنفلونزا الموسمية.

وإذا كان الحال كذلك، فلابد أن يستوقفنا هذا التهويل المبالغ فيه، الذي تحول إلى “وباء إعلامي” قاتل، منتج للإحباط وللكآبة واليأس، مع فشل النخبة العالمة في بناء توافق مقبول حول طبيعة الوباء وطرق مواجهته، كما توافقت من قبل حيال جائحات مماثلة، وقد تتحمل مع النخب السياسية والإعلامية في رواج الأخبار الكاذبة، وأكثر من “نظرية مؤامرة”، يساعدنا على تصديقها ذلك التفاوت بين بؤر الانتشار، ونسب الإصابات والوفيات.

ما هو ثابت عندي، أن أغلب حكومات العالم مهتمة اليوم بإدارة حالة الإغلاق والحجر، وتطوير أدواتها، وقياس فعاليتها في تأطير الحركة، واختبار ردات الفعل الجماعية، أكثر من اهتمامها بتطوير الوسائل الطبية، وتجنيد الطاقات الإنتاجية العالمية لوسائل التشخيص وأجهزة التنفس، بل وحتى لإنتاج أبسط وسائل الوقاية للأطقم الطبية، فيما تتسابق الدول في التسويق لتقنيات الرصد والتعقب عبر الهواتف النقالة، كما فعلت الصين وكوريا الجنوبية، والإعلان في أكثر من دولة عن إنتاج تطبيقات ذكية، مثل التطبيق الذي تروج له المستشارة الألمانية لتعقب المصابين، فيما وضعت “غوغل” نشرات مفتوحة، تسمح لأكثر من 130 دولة ( باستثناء الصين وروسيا ) بتعقب حركة المواطنين داخل مناطق الحجر وبين المدن.

وعلى ما يبدو، فإننا أمام سيناريو للتجربة الميدانية لـ “الهندسة الاجتماعية”، هو أقرب إلى ما كان قد وصفه جورج أورويل في رواية 84 أو هوكسلي في رواية “أحسن العوالم” لطغيان عين “الأخ الكبير”، وهي ترصد حركاتنا وسكناتنا على مدار الساعة، ونكون على مرمى حجر من التطبيق الواسع لما يسمى بـ “الهندسة الاجتماعية” لمجتمعات تدار بجائحات التخويف المصنع، تقودها تدريجيا إلى القبول الطوعي بإجراءات الرقابة الرقمية، لا تختلف عن تقنية “سوار الرقابة” الالكتروني المطبق على السجناء، يستعاض عنه بـ”الهاتف الذكي” الذي يستعمل اليوم في تزويد شركات التسويق بأدق المعلومات الشخصية عن سلوكنا الاستهلاكي، قبل أن يعمم كسوار محول، ينقل للحكومات حركاتنا وسكناتنا على مدار الساعة، داخل سجن عالمي مفتوح.

مقالات ذات صلة